الفترة الماضية حملت خبرًا مؤلمًا عن الوعكة الصحية التي تعرض لها الإعلامي الكبير طارق الحميد، وهو خبر أثار اهتمامًا واسعًا بين المهنيين والقرّاء، لما يمثّله من قيمة مهنية امتدت لسنوات طويلة. فالصحفي الذي شكّل حضوره أحد أعمدة التحليل السياسي المتزن في المشهد السعودي والعربي، ظل اسمه مرتبطًا بقراءة دقيقة للمتغيرات ورؤية واضحة لا تتأثر بالضوضاء. وجاءت ردود الفعل محمّلة باحترام راسخ لتجربة مهنية تركت أثرًا يتجاوز الكتابة الصحفية؛ إذ شعر كثيرون أن غياب هذه الأصوات، حتى لو كان مؤقتًا، يكشف حجم الدور الذي لعبته في تشكيل الوعي العام وإثراء الذاكرة الإعلامية السعودية. زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز، نائب أمير منطقة الرياض، للاطمئنان على صحة الحميد حملت دلالات أبعد من حضور بروتوكولي. فقد بدت تأكيدًا هادئًا على قيمة التجارب المهنية التي عملت بعمق واتزان، وعلى تقدير رسمي لمسيرة امتدت لعقود أسهم خلالها الحميد في بناء فهم أوسع للمشهدين الإقليمي والدولي، وفي ترسيخ خطاب إعلامي يقوم على المسؤولية والتحليل الموثوق. وقد استقبل الوسط الإعلامي هذه اللفتة بوصفها احترامًا مستحقًا لتجربة بقيت مؤثرة بعيدًا عن الادعاء أو البحث عن الضوء، وتذكيرًا أن بعض القامات يُقاس أثرها بما تقدمه من فهم لا بما تتلقاه من صخب. أما مكانة طارق الحميد الصحفية، فقد تشكّلت عبر مسار طويل كان أبرز محطاته رئاسته لصحيفة "الشرق الأوسط"، وهي محطة شهدت إعادة صياغة لطريقة قراءة التطورات في المنطقة. لم تكن تلك المرحلة مجرد إدارة تحرير، بل مساحة مهّدت لأسلوب يقوم على التحليل المنهجي، والرؤية الواقعية، والابتعاد عن ردّات الفعل السريعة. وقد تميّزت كتاباته بعمق هادئ، وبقدرة واضحة على تفكيك الملفات السياسية المركبة، مما جعل اسمه جزءًا أصيلًا من البنية الفكرية للإعلام السعودي والعربي، ومرجعًا يعود إليه المهتمون حين يحتاج المشهد إلى قراءة عقلانية تحفظ توازنه. ومع هذه الحادثة، برز سؤال لم يُطرح مباشرة لكنه ظل حاضرًا في خلفية المشهد الإعلامي: كيف تبدو الساحة حين تتعب الأصوات التي منحتها اتزانها لسنوات؟ الإشارات توحي أن بعض القامات اختارت الصمت أو الابتعاد، وأن غيابها كشف فراغًا كان قائمًا قبل المرض. مثل هذه اللحظات لا تعكس ضعفًا، بل تذكّر بقيمة حضورٍ ظلّ يعمل دون ضجيج. وربما تكون هذه الفترة فرصة لإعادة التفكير في مسؤولية المحافظة على الكفاءات الإعلامية وخبراتها المتراكمة، حتى لا يتحول الغياب إلى عادة تُقرأ بالصمت.. نسأل الله الشفاء التام لطارق الحميد، وأن يعود بصحته وعافيته، فمكانته جزء راسخ من وجدان الإعلام السعودي.