يشكّل اهتمام ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بحل الأزمة السودانية وإنهاء معاناة الشعب السوداني لحظة فارقة في مسار الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى وقف الحرب وإعادة السودان إلى طريق الاستقرار. وقد اكتسبت هذه الجهود زخماً إضافياً بعد تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب التي كشف فيها عن طلب مباشر من ولي العهد للتدخل من أجل وضع حد للنزاع، وهي خطوة تعكس بوضوح ثقل الدور السعودي وقدرته على تحريك الملفات المعقّدة في المنطقة. السودان، الذي وصفه ترمب بأنه "أخطر مكان في العالم" بسبب ما يشهده من كارثة إنسانية غير مسبوقة، يقف اليوم أمام نافذة أمل جديدة. فالتحرك السعودي لا يقتصر على الوساطة السياسية فحسب، بل يحمل رؤية شاملة تستهدف احتواء الأزمة، وتهيئة بيئة مناسبة للحوار، وتعبيد الطريق نحو هدنة تضع الأسس لوقف دائم لإطلاق النار. كما ينسجم هذا الدور مع سجلّ المملكة في قيادة مبادرات السلام ودعم الاستقرار في محيطها العربي والأفريقي. وفي الداخل السوداني، حظيت المبادرة السعودية - الأميركية باهتمام واسع، إذ عبّر العديد من القوى الوطنية عن تقديرها لهذا الجهد، واعتبرته فرصة ينبغي اغتنامها لإخراج البلاد من دائرة الحرب المدمّرة. فمعاناة السودانيين، من نزيف الدم وانهيار الخدمات وصعوبة الوصول إلى الاحتياجات الإنسانية، جعلت قطاعات واسعة من الشعب تتطلع إلى أي خطوة من شأنها وقف التدهور. وقد شكّل تأكيد القيادات السودانية على ضرورة "التقاط اللحظة" دليلاً على استعداد متزايد للتعاطي مع المبادرات الخارجية بروح واقعية ومسؤولة. التحرك السعودي كذلك فتح صفحة جديدة في العلاقات مع الولاياتالمتحدة. فمن خلال هذا الملف، برزت الرياض شريكاً محورياً لواشنطن في إدارة القضايا الإقليمية الحسّاسة. أما تصريحات ترمب عن تنسيق مشترك يشمل السعودية ومصر والإمارات فتعكس إدراكاً أميركياً متزايداً لدور المملكة القيادي في تأمين الاستقرار الإقليمي، بما في ذلك في السودان الذي يمثّل إحدى أكثر الأزمات تعقيداً في المنطقة. إن جهود ولي العهد لا تسعى إلى فرض حلول جاهزة، بل إلى تمكين السودانيين من بناء سلامهم بيدهم. فالسلام الحقيقي، كما يؤكد السودانيون أنفسهم، لا يصنعه الخارج وحده، بل تنهض به إرادة وطنية متماسكة تدرك أن خيار السلاح لم يعد يقود إلا إلى مزيد من التدمير والمعاناة. وهكذا، فإن التحرك السعودي، مدعوماً بالشراكة الأميركية، يفتح الباب أمام مسار جديد قد يضع السودان على عتبة التعافي، ويعزز في الوقت نفسه مكانة المملكة كقوة دافعة للسلام الإقليمي، ورقماً صعباً في معادلة الاستقرار الدولي. * مدير علاقات دولية