المشجع يستطيع متابعة المباراة داخل عالمٍ افتراضي ثلاثي الأبعاد الرياضة رحلة تعيد تعريف ذاتها كمنظومة تفاعلية أندية أوروبية بدأت ببناء نسخ رقمية من ملاعبها في الميتافيرس أسئلة قانونية حول ملكية الحقوق الرقمية والبثّ في العالم الافتراضي في زمنٍ تتغير فيه معاني الحضور والمشاهدة والانتماء، تدخل الرياضة مرحلةً جديدة غير مسبوقة، مرحلة تذوب فيها الحدود بين الواقع والافتراض، ويتحول فيها المشجع من متفرجٍ محدود إلى كيانٍ رقميٍّ فاعل في منظومةٍ كونية تتجاوز مدرجات الملاعب وأسوارها. نحن أمام عصر الميتافيرس، حيث تتقاطع التقنية بالثقافة، والاقتصاد بالعاطفة، وتبدأ الرياضة رحلة إعادة تعريف ذاتها كمنظومة تفاعلية لا تعرف المكان ولا الزمان. في هذا العالم الجديد لم تعد التذاكر ورقية ولا المقاعد ملموسة، بل باتت التجربة الرياضية نفسها سلعةً رقمية تملكها وتعيد تشكيلها وفقًا لذوقك وانتمائك، وقد أصبح بوسع المشجع أن يحضر المباراة داخل عالمٍ افتراضي ثلاثي الأبعاد، يتجول في الاستاد، يشتري القميص، يرفع شعاره، ويتفاعل مع آلاف من حول العالم بصوته وصورته كما لو كان في قلب الحدث. هذه النقلة ليست ترفًا تقنيًا بل تحوّل اقتصادي هائل يعيد توزيع القيمة في الصناعة الرياضية، فبدل أن تبيع الأندية تذاكر محدودة لعددٍ من المقاعد، أصبحت تبيع تجربة غير محدودة لجماهير لا نهائية. أندية مثل مانشستر سيتي وباريس سان جيرمان وبرشلونة بدأت بالفعل ببناء نسخ رقمية من ملاعبها في الميتافيرس، وبتأسيس أسواق رمزية لمنتجاتها الافتراضية من خلال تقنيات الNFTs، لتمنح جمهورها حول العالم فرصة امتلاك لحظة أو ذكرى من تاريخ النادي. لقد تغيّر المفهوم الجوهري للجمهور من مستهلكٍ سلبي إلى مساهمٍ في التجربة ذاتها، يشارك في صنع المشهد ويستثمر في هوية النادي. إن المشجع الحديث لم يعد مجرد عاشقٍ للألوان، بل أصبح مساهمًا في اقتصاد العاطفة الرياضية، وكل تفاعلٍ رقميٍّ منه يولّد قيمة اقتصادية جديدة، من متابعةٍ أو إعجابٍ أو شراءٍ لرمزٍ رقمي يمثل هدفًا أو إنجازًا أو لحظة خالدة. في هذا الإطار، تمتلك المملكة العربية السعودية فرصةً تاريخية لأن تكون الرائدة في صناعة هذا المستقبل، إذ تتوافر لديها البنية الرقمية المتقدمة، والقدرات الاستثمارية الهائلة، والإرادة السياسية التي دفعت بتحول الرياضة إلى قطاعٍ اقتصادي مستدام ضمن رؤية 2030. تخيّل أن يكون استاد الملك فهد أو الجوهرة نسخة رقمية حية في الميتافيرس يدخلها الملايين من أنحاء العالم، يعيشون التجربة السعودية بجميع تفاصيلها من الأهازيج إلى النشيد الوطني، ويتفاعلون مع الفرق واللاعبين في بيئة تفاعلية متكاملة. إن ذلك لن يضيف بُعدًا ترفيهيًا فحسب، بل سيفتح مسارًا جديدًا للاستثمار الرياضي والسياحة الرقمية، وسيخلق موردًا ماليًا مستدامًا للأندية من خلال بيع التذاكر الافتراضية، والرعايات الرقمية، والفعاليات التفاعلية، والمتاحف التاريخية الرقمية التي تحفظ إرث الرياضة السعودية وتقدمه للأجيال القادمة بأسلوبٍ عصري. كما أن هذا التوجه ينسجم تمامًا مع مفاهيم الاستدامة التي تتبناها المملكة، فالرياضة الرقمية تقلل من الأثر البيئي للمباريات التقليدية، وتوفر حلولًا ذكية للطاقة والنقل والموارد، وتتيح مشاركة فئاتٍ لم تكن قادرة على الحضور الميداني ككبار السن وذوي الإعاقة. إنها استدامة بيئية واجتماعية في آنٍ واحد، تجعل من التكنولوجيا وسيلةً لتحقيق شمولية الرياضة لا ترفًا خاصًا بالنخبة. ومع كل هذه الفرص، تظهر في المقابل تحديات تتطلب وعيًا تشريعيًا وتنظيميًا دقيقًا، فثمة أسئلة قانونية حول ملكية الحقوق الرقمية والبثّ في العالم الافتراضي، وأسئلة مالية عن كيفية توزيع العوائد من الرموز المشفّرة، وأسئلة تربوية عن تأثير الواقع الافتراضي على علاقة الناشئة بالرياضة الحقيقية، وهنا تبرز أهمية الحوكمة الرقمية كإطارٍ تنظيميٍ يضمن أن يظل الابتكار في خدمة العدالة والنزاهة والمصلحة العامة. لا بد من أطرٍ تشريعية تحمي الملكية الفكرية، وتضمن الشفافية في التعاملات الرقمية، وتضع حدودًا أخلاقية للتفاعل الافتراضي، بحيث لا يصبح الميتافيرس مساحةً فوضوية بل امتدادًا منظمًا لروح الرياضة وأخلاقياتها. نحن أمام لحظةٍ فارقة تعيد تشكيل بنية الرياضة كما نعرفها، لحظة تفتح بابًا لعصرٍ تتكامل فيه التجربة الواقعية والرقمية في منظومةٍ واحدة يقودها الإبداع. السؤال اليوم ليس ما إذا كانت الأندية السعودية ستدخل الميتافيرس، بل متى وكيف وبأي نموذج ستقوده. فالقادم لن ينتظر المتفرجين، بل سيصنعه أولئك الذين يمتلكون الرؤية والجرأة على المبادرة. وعندما تصبح مدرجاتنا متصلة بالعالم، وعواطف جمهورنا تتحول إلى قيمة اقتصادية وثقافية، سنكون قد عبرنا بالفعل إلى مرحلةٍ جديدة من صناعة الرياضة السعودية، مرحلة ننتج فيها المستقبل بدل أن نكتفي بمشاهدته. * رئيس نادي الدرعية السابق د. خالد الحبشان*