أثناء زيارة الصحفي والدبلوماسي البريطاني جوروج بيلنكن للرياض سنة 1947م والذي قدم ضمن وفد دبلوماسي قادم من بريطانيا مروراً بمصر وجدة ثم الطائف، والتقائه بنائب الملك في الحجاز الملك فيصل -غفر الله له- في الطائف والملك عبد العزيز -طيب الله ثراه- بالرياض، تردد أكثر من مرة على قصر الملك سعود ولي العهد -رحمه الله- آنذاك، وكانت لقاءاته إما في ديوان الملك عبدالعزيز أو في قصره كضيف حينما قال: "يتمتع الأمير سعود بروح مرحة وفي جلساته الخاصة كان يطلق الكثير من النكت، وقد أطلعني على ألبوم يحتوي صوراً وقصاصات من بعض الصحف التي كتبت عن رحلته حول العالم، واستمتعت أيضاً بقصره بالكرم العربي الأصيل وكان الأمير لحسن حظي متذوقاً جيداً لبعض الأكلات الغربية". عرج الضيف إلى مكتب وكيل رئيس الشعبة السياسية رشدي ملحس، وهناك التقى اثنان من الجيولوجيين دخل عليهم سموه، صافحهم وسأل: هل كانت مهمتهم ناجحة؟ فأجاب أحدهم: نعتقد أننا عثرنا على ماء في إحدى الآبار على الطريق بين منطقة (س) ومنطقة (ص) وربما تكون العملية ناجحة. وأضاف بأنهم قد بعثوا برقية منذ خمسة أيام يريدون جلب مضخة إلى هناك ولكنهم لم يتلقوا إجابة وطلبوا الإذن بالاستمرار". أجاب ولي العهد أن كلا المنطقتين مهمتين لوقوعهما على الطريق المتجه إلى الكويت، ويريد أن يرى البرقية. استدعى رئيس قسم المبرقات الذي ألقى نظرة على كل البرقيات وتفحص السجل ولم يعثر عليها، وعلق الأمير أنه سينظر في طلبهم، وفي هذه الأثناء دخل أمير شاب وهمس في أذن الأمير سعود وتبادلا الابتسامات، ثم قبل الشاب ظهر يد الأمير اليمنى، كان هناك دفْء ومتعة كما يقول بلينكن في هذا التصرف سلبته من أي تملق أو تزلف. شعر الضيف كما يقول ضمن كتابه (يوميات رحلة من القاهرة إلى الرياض) أنه ومن خلال الساعات التي أمضاها مع ولي العهد ومع أخيه أمير الرياض وكأنه تعرف على الحياة في المملكة العربية السعودية. في المكتب الخاص لولي العهد ألقاه كما يقول متربعاً على مقعد من المخمل القرمزي وقبالة مقاعد طويلة جلس عليها بعض عائلة الرشيد، ويأتي المسؤولون لتسليم الأوراق والعرائض المطبوعة غالباً. وغالباً بعد أن يستمع إلى الشرح والإيضاح يقول (نعم) أو (لا مانع) ثم يبلل خاتمه بالحبر ويضع الختم على الورق، لا يكتب اسمه. وحينما سأل الضيف: هل يمكنني من فضلك أن أحصل على عينة من ختمكم؟ أجاب سموه: وجه لي خطاباً باسمي وحينما يطبع يسرني أن أعطيك تذكاراً. مرة أخرى التفت إليه ولي العهد وقال: تساوي قيمة بعض هذه الأوراق ملايين الريالات، وأنا المسؤول عن صرف الأموال لتلبية طلبات المواطنين. وقد أكد بيلينكن أنه اطلع على وثائق تحمل ختم الأمير تتعلق بحركة تنقل القبائل. جلس قبالة ولي العهد الأمير ناصر الابن السادس للملك البالغ من العمر 21 سنة، قام حينما حان دوره وقدم تقريراً للأمير، ابتسم سعود وقال للضيف: إنه أمير الرياض ولذا يجب أن نوافق. وتبدو كلمة نوافق أكثر شعرية من مثيلاتها الإنجليزية. كان التقرير الآخر يتعلق بحالة السيارات في الكراج الملكي، قال الأمير: إن هناك ما يقارب 300 شاحنة وما يقارب 150 سيارة صغيرة، ويشير التقرير إلى عدد السيارات الصالحة للاستعمال والإصلاحات المطلوبة. دخل أحد الأمراء ثم رئيس الحرس الملكي العقيد سعيد جودت، وكان تقريره يتعلق بغياب بعض الحراس عن دروس الليلة الماضية، دخل الشيخ محمد بن دغيثر مدير المبرقات يتبعه سكرتير الملك الشيخ عبدالله بن عثمان الذي كان يحمل عدداً من الرسائل التي وصلت للتو. أكمل ولي العهد: "أنا مسؤول هنا عن كل ما يجري في هذا البلد، ويسعدني أن أكون في خدمته، عليّ أن أبذل جهدي دائماً، وأرجو في المستقبل أن أحقق الكثير لمساعدة شعبي. إننا نولي اهتمامًا لكل شيء ونحاول تطوير التعليم والصحة وإنشاء المدارس في المملكة وفي الرياض، ولدينا الآن أربع مدارس في الرياض إضافة إلى العديد منها في المناطق الأخرى، إن عملي هو هوايتي لأنني أحب عملي جداً". وعن فلسطين قال ولي العهد: "فلسطين مهمة لكل العرب ونأمل أن تتوصل صديقتنا بريطانيا إلى حل مناسب يعكس مستوى هذه الصداقة". توجه الضيف لأمير الرياض، وسأله: هل يمكنني رؤية التقرير الذي قدمته لولي العهد، أجابه بكل سرور. كان التقرير عبارة عن رفع وقوعات الرياض ومضمونه: أود أن أتشرف بإبلاغ سموكم أنه خلال الأربع وعشرين ساعة لم يحدث شيء في المدينة سوى أمرين: الأول أن أحد جنود الفرقة الأولى كان يركب شاحنة يقودها عبدول إبراهيم بسرعة فائقة فسقط الجندي وكسرت يده ونقلناه للمستشفى، أما السائق فأدخل السجن وبانتظار توجيه سموكم، وليس لدى سيارة الشرطة أي حوادث أخرى في الرياض. من شوارع الرياض القديمة رشدي ملحس المدرسة التذكارية بداية التعليم الحديث في الرياض