تتقدم المملكة العربية السعودية، بخطوات واثقة نحو بناء منظومة تعليمية تُعطي للثقافة والفنون مكانتها المستحقة، وفي هذا السياق جاءت مبادرة أكاديمية آفاق للفنون والثقافة كأحد أبرز المشروعات التي تربط بين التعليم العام والتمكين الإبداعي، وذلك بعد تدشينها بحضور صاحب السمو الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان آل سعود وزير الثقافة، ومعالي وزير التعليم الأستاذ يوسف بن عبد الله البنيان. وقد جرى التدشين بالتزامن مع الحفل الختامي لمسابقة المهارات الثقافية في نسختها الثالثة، الذي أُقيم في مقر الأكاديمية بحي النخيل في الرياض، وسط مشاركة واسعة من القيادات الثقافية والتعليمية. تُعد الأكاديمية نموذجًا متطورًا يهدف إلى رعاية الموهوبين من طلاب التعليم العام عبر دمج المسارات الأكاديمية بالفنون المتخصصة. ويجمع هذا النموذج بين المناهج الدراسية الحديثة ومجالات الفنون البصرية والموسيقية والأدائية، ليمنح الطلاب تجربة تعليمية تُنمّي قدراتهم الإبداعية وتُهيّئهم لمسارات مهنية مستقبلية في القطاع الثقافي. وانطلقت المرحلة الأولى للأكاديمية في الرياض للبنين وجدة للبنات، مستهدفة طلاب الصف الرابع الابتدائي والصف الأول المتوسط، على أن يشمل التوسع التدريجي جميع مراحل التعليم العام ومختلف مناطق المملكة. كما توفر الأكاديمية مرافق متطورة تشمل استوديوهات فنية ومسارح تعليمية ومساحات تدريبية حديثة. ارتبط تدشين الأكاديمية بالحفل الختامي لمسابقة المهارات الثقافية، التي اختتمت نسختها الثالثة بإعلان الفائزين في تسعة مسارات إبداعية: المسرح، الغناء، الفن الرقمي، العزف، الحرف اليدوية، التصوير، القصة القصيرة، الأفلام، والمانجا. وقدّم الفائزون عروضهم خلال الحفل وسط احتفاء يبرز تنوع التجارب الفنية لدى الطلاب والطالبات في مختلف مناطق المملكة. وتأتي هذه المسابقة امتدادًا لجهود الوزارتين في اكتشاف المواهب الشابة وتطويرها، إذ مرت بعدة مراحل بدأت بتهيئة الميدان واستقبال المشاركات، مرورًا بالتحكيم الأولي والمعسكر التدريبي والمقابلات الشخصية، وصولًا إلى التحكيم النهائي والحفل الختامي. تأتي أكاديمية آفاق للفنون والثقافة، إلى جانب مسابقة المهارات الثقافية، كأحد أهم المشاريع التي تعكس توجه المملكة نحو إعادة تشكيل علاقة التعليم بالثقافة والفنون، وتحويل المواهب الشابة من قدرات فردية مبعثرة إلى طاقات منظمة تُدار وفق منهجية علمية وتربوية متكاملة. ويبرز ذلك من خلال توفير بيئات تعليمية حديثة، وتطوير مسارات تدريبية مهنية، وإتاحة فرص مستمرة للطلاب والطالبات للمشاركة والعرض والاحتكاك بالمنصات الثقافية الوطنية. ولا يقتصر أثر هذه المبادرات على اكتشاف المواهب وتنميتها فحسب، بل يتجاوز ذلك نحو بناء منظومة ثقافية مستدامة ترتبط فيها المخرجات التعليمية باحتياجات السوق، وتساهم في تشكيل جيل جديد قادر على الالتحاق بالمهن الإبداعية ومواصلة الابتكار في الفنون البصرية، والموسيقى، والفنون الأدائية، والصناعات الإبداعية المختلفة. كما يعزّز هذا التوجه حضور المملكة على الخارطة الثقافية الإقليمية والدولية من خلال رفع مستويات التنافسية وتطوير معايير التعليم الثقافي، واستحداث منصات تدريبية وتمكينية تُسهم في توسعة قاعدة الممارسين وتنويع تخصصاتهم. وتمثل هذه المبادرات امتدادًا لرؤية المملكة 2030، التي وضعت الثقافة جزءًا أساسيًا من التنمية الشاملة، وركّزت على بناء مجتمع نابض بالإبداع، مدعومًا بسياسات تعليمية تُعيد الاعتبار للموهبة، وتحتضن الفنون بوصفها مكوّنًا أساسيًا في تشكيل الهوية الوطنية وتعزيز القوة الناعمة للمملكة. ومن خلال هذا المسار المتكامل، تُرسّخ المملكة نموذجًا جديدًا للتنمية الثقافية، قائمًا على التعليم، والتمكين، والاستدامة، والدور الحيوي للأجيال الشابة في صناعة مستقبل القطاع الإبداعي.