كنت على وشك البدء في تقديم أمسية أدبية عندما دخل السماري ممسكاً بيد الشقحاء. رمزية استنطقت في داخلي الكثير من النظريات التي تحضر من دون استئذان وهذا أجمل ما فيها لأنها تأتي صادقة عفوية مستجيبة لفعل اجتماعي وسلوك أدبي، وعنصر ثقافي من عناصر ثقافتنا الأصيلة، وهذه الرمزية التي جاءت لترسم صورة لا تغيب عن مشاعري في كل مرة ألتقي فيها السماري، فالسماري لم يكن ممسكاً بيد أديبنا محمد الشقحاء بل كان ممسكاً بمحطة تاريخية أدبية من تاريخنا الثقافي، وممثلة لصورة من صور ثقافتنا في توقير الكبير، وذهبت إلى أبعد من هذا، فهي وصل بين جيلين سعوديين جيل الرواد ممثل في الشقحاء والجيل اللاحق متجسداً في شخص السماري وأدبه الجم. الرمزيات مشاعر ومشاهد ومواقف وقيم، وهي جزء من علم الاجتماع الثقافي الأنيق وعلم اجتماع الأدب النابه الذي يلتقط التفاصيل الغائبة من خلال المشاهد الحاضرة، وهذا ما يجعل من النظرية التفاعلية الرمزية شريكاً حياً يصحبنا في حياتنا اليومية بعيداً عن تعقيدات التنظير في فلسفة النظريات وتفرعاتها العلمية مع أهمية هذا الجانب الكبيرة ولكنها إن لم تطبق على أرض الواقع فلا قيمة لها. وصل الأجيال الأدبية السعودية بعضها ببعض أمر يستديم الأدب، ويرسخ الثقافة، وعند التعامل مع أدبنا السعودي فالموضوع يكون أكبر من إنتاج رواية أو إصدار كتاب، فنحن لا نتعامل مع مكتبة نملؤها بالكتب ولكننا إلى جوار هذا نعمل على استدعاء ذاكرة التاريخ الذي كنا وما زلنا حاضرين في أدق تفاصيله ومفاصله الحضارية، فمن هنا حيث نحن انطلقت العربية لغة القرآن وسيدة البيان وربيبة الأدب الذي تشاكل مع آداب العالم، وأعاد صياغة خريطة الكرة الأرضية لتكون كما نراها الآن مصبوغة بالحس العربي وبالإسلام لغة وديناً، ونحن الآن نواصل عودتنا التي تصل تاريخنا ببعضه بين مرحلة ظهور الرسالة المحمدية وفترة غابت فيها الجزيرة العربية جزئياً إلى أن عادت مع تاريخ تأسيس الدولة السعودية الأولى وصولاً إلى مرحلة توحيد البلاد إنساناً ومصيراً تحت مسمى المملكة العربية السعودية، وليكون الأدب شاهداً متوازياً مع ما يسمى بكتابة التاريخ من الأسفل أو من الأساس، فتكون الحياة اليومية والعلاقات الاجتماعية والأحداث التي تشكل ذاكرتنا الوطنية هي المادة الخام التي نرتب بها أفكار حكاياتنا ونكتبها رواية كما فعل السماري في رواياته الخاصة أو المشاركة ضمن تاريخنا قصة الذي أطلقته دارة الملك عبدالعزيز. وبين الدارة ووزارة الثقافة ممثلة في هيئة الأدب والنشر والترجمة وغيرها من هيئات الوزارة الكثير من التشابكات الإيجابية التي تمد قنطرة فيما بينها؛ بين التاريخ وبين الثقافة، واللذان لا يمكن فصلهما عن بعضهما، فالعلاقة تواشجية حية، والقنطرة جسر يربط بين هاتين المؤسستين الكبيرتين، والقنطرة كذلك أحد أعمال الروائي أحمد السماري إلى جانب رواية ابنة ليليت، ورواية الصريم التي مزجت تاريخنا القريب بما فيه من صعوبات وحياة عناء وشقاء وشح موارد إلى أن تدفق الخير في بلادنا، وتعززت مكانتها، واشتد عودها الحضاري، وفي كل مرة كان للأدب حضوره شعراً وقصة ورواية، ونحن نعيش تفاصيل ذاكرتنا الوطنية من خلال كل ما يقال ويكتب، ومن خلال مشاريعنا الأدبية التي تبناها أبناء هذه البلاد الأوفياء، ومن خير نماذجهم؛ نموذج الأديب السماري الذي جاء حاملاً مشروعه الأدبي من بين تفاصيل حياتنا الاجتماعية، وليكون هو حلقة وصل بين جيلين جيل الرواد وجيل واعد نراه ونستمع له بكل إنصات وإكبار في أمسيات الشريك الأدبي وفي غيرها من الفعاليات الثقافية التي تنتظم في عقد أدب سعودي عربي عالمي يتصل بالعالم ولا ينفصل عنه، وهذه النقطة الاتصالية قنطرة أخرى التقطها السماري ليزف لنا عمله الجديد -فيلق الإبل- الأجمل في بنائه الفني ولغته السردية، وفكرته الخلاقة. رواية فيلق الإبل امتدت تاريخياً وزمانياً لتضع تاريخنا قصة ممتدة من الأجداد إلى الأحفاد، ومن ركيزة المكان المحوري في مشروع السماري الأدبي إلى حيث الولاياتالمتحدة التي كانت مشروعاً يضع لبناته الأولى.