عبدالعزيز الرفاعي أديبٌ وشاعرٌ ومفكرٌ سعودي، يُعَدّ من أبرز أعلام الأدب والثقافة في المملكة العربية السعودية في القرن العشرين، ومن صُنّاع النهضة الثقافية الحديثة فيها، جمع بين ريادة الفكر الأدبي والعمل الثقافي والإداري، وأسهم بدور فعّال في بناء المؤسسات الثقافية والإعلامية في المملكة. وُلد الرفاعي 1342ه في مدينة أملج على ساحل البحر الأحمر، وانتقل مع أسرته إلى مكةالمكرمة 1352ه، حيث تلقّى تعليمه في مدرسة الصفا التحضيرية، ثم المدرسة العزيزية الابتدائية، قبل أن يلتحق بالمعهد العلمي السعودي 1358ه ويتخرّج فيه 1361ه. وإلى جانب دراسته النظامية، تلقّى عبدالعزيز الرفاعي دروساً في التفسير والنحو في حلقات المسجد الحرام، وانكبّ على القراءة والاطلاع في مجالات الأدب العربي القديم والحديث، ما صقل موهبته وأرسى ثقافته الواسعة، ونشأ شابًا على ذلك في اطلاعه على الأدب والشعر والتاريخ والسير، والثقافة الدينية والمعرفة الاجتماعية فغدا أديبًا ناجحًا ومثقفًا فالحًا وشاعرًا مفلقًا، وناثرًا فنيًا له كتابات جمة وبحوث غفيرة، ودراسات في الأدب مكثفة ذات بداعة وجدة وحيوية وإبداع وحداثة في المضمون والمعنى لا في المذهب المتعارف عليه، وما نشره وطبعه على شاكلة كتب وكتيبات ما هو إلاّ قليل من كثير وغرفة من معين الكتابة وشقف من نحت الفن. وبدأ عبدالعزيز الرفاعي حياته العملية مدرّساً في المدرسة العزيزية لمدة عام، ثم التحق بمديرية المعارف أربعة أعوام، انتقل بعدها إلى مديرية الأمن العام سكرتيراً لمديرها، ثم عُيّن في ديوان نائب الملك في الحجاز حتى 1384ه / 1964م، حين تولّى الملك فيصل -رحمه الله- الحكم، فانتقل إلى ديوان رئاسة مجلس الوزراء مديراً عاماً للشعبة السياسية، وبعد وفاة الملك فيصل 1395ه، عُيّن مستشاراً في الديوان الملكي بالمرتبة الممتازة لمدة ست سنوات، حتى تقاعده عام 1401ه. مجالس ولجان وشارك عبدالعزيز الرفاعي -رحمه الله- في عدد من المجالس واللجان الثقافية والعلمية داخل المملكة وخارجها، منها اللجنة العليا لسياسة التعليم، والمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، وإدارة دارة الملك عبدالعزيز، ومجلس الشورى في دورته الأولى في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله-، وعضوية مراسلة في مجمع اللغة العربية بالقاهرة ودمشق، كما مثّل شخصيتنا المملكة في مؤتمرات أدبية في لبنان والعراق وتونس والجزائر، وكان من المؤسسين في المؤتمر الأول للأدباء السعوديين 1394ه / 1974م، ويُعَدّ الرفاعي من أبرز الداعمين للحراك الثقافي السعودي في النصف الثاني من القرن العشرين، فقد أسّس دار الرفاعي للنشر والطباعة والتوزيع، التي أسهمت في نشر مراجع مهمة في الأدب والتراث والتاريخ. مكتبة صغيرة وأنشأ عبدالعزيز الرفاعي -رحمه الله- مشروع «المكتبة الصغيرة»، الذي قدّم فيه كتيبات تثقيفية شهرية تهدف إلى نشر المعرفة بأسلوب ميسر، وكان مشروعه الثقافي -المكتبة الصغيرة- مشروع أدبي لقي نجاحًا كاسحًا منذ أول إصدار منه 1389ه، ويرمي صاحبه الرفاعي إلى هدف عام هو نشر العلم والمعرفة من خلال كتيب صغير شهري الصدور، يحمل معلومات وأفكارًا ثقافية بأسلوب أدبي رشيق يفهم محتواه طالب العلم من كل مستوى أو مرحلة، وبأقلام مؤلفين وكتبة من الوطن الإسلامي الكبير، وميزة شخصيتنا في هذا المشروع عزوفه عن الماديات والشهرة والأسماء؛ الأمر الموفق في مثل هذا المشروع الثقافي العام والهدف السامي من خلفيته البعيدة المميزة؛ لدواء الأذهان والعقول وتجلية الأفكار والمعاني علميًا وعمليًا وأدبيًا ودينيًا وحياتيًا ودنيويًا، والمعتاد في مثل هذه الفكرة نجاح صاحبها بامتياز في مشروع كهذا، ويظل ديدنه النجاح والفلاح ما استمر فيه؛ ولا ينبؤك مثل خبير أن الرفاعي رجل يتطلع إلى النجاح في أعماله الأدبية والمعنوية، بحيث ركز فيها على الأسباب المؤدية، والأهداف الرامية حتى لقي ما سعى ونال المراد، ناهيك عن الكتب والمصنفات والمؤلفات التي نشرها عن دار الرفاعي. ندوة الخميسية وأسّس عبدالعزيز الرفاعي -رحمه الله- مجلة عالم الكتب، وهي من أوائل المجلات السعودية المتخصصة في نقد الكتاب والتعريف بالمؤلفات القديمة والحديثة، ومن أبرز مبادراته الثقافية ندوة الخميسية التي أنشأها 1379ه في منزله بمكةالمكرمة، واستمرت حتى وفاته، وكانت من أقدم وأشهر الندوات الأدبية في المملكة، جمعت الأدباء والمثقفين من داخل المملكة وخارجها، وبالإشارة إلى ندوة الخميسية، فقد وصف علاء بن عبدالعزيز الرفاعي في كلمة ألقاها نيابة عن أسرته أن الحديث عن الندوة من قبيل ما يطول الحديث عنه، عطفًا على ما تواصل معها لأكثر من ثلاثين عامًا خلال حياته، وما صاحبها من ريادة علمية وأدبية بتلقائية المحبة والوفاء ووشائج الصداقة، لتواصل بروح الوفاء مسيرتها، حتى في ظل غياب منشأها -رحمه الله-. مقالة وشعر وذكر د. عائض الردادي أن الندوة حفلت بعطاء، جاء امتداداً لعطاء مؤسسها عبدالعزيز الرفاعي، الذي نشط قلمه في التأليف في المقالة والشعر والأدبيات المختلفة، والتي لا تزال تزخر بها المكتبة العربية، مشيرًا إلى أن عمله الخالد الذي يتمثل في الندوة، كانت منطلقها 1382م بالتقاء الأصدقاء من المثقفين في جدة، والتي انتقل بها إلى الرياض، لتتحول الندوة من جلسة تلقائية ثقافية إلى ندوة دورية تواصل نشاطها عبر اجتماعات أهل العلم والأدب من منظور رؤية شخصيتنا الذي حرص على استمرارها طيلة حياته فيما بعد بين الرياض والطائف وجدة وصولًا إلى عام 1414ه وانتقالها إلى منزل باجنيد. وأورد د. عبدالقدوس أبو صالح -رحمه الله- العديد مما قيل في ندوة الرفاعي شعرًا، مستعرضًا العديد من المواقف مع الشعراء التي تجلت فيها الكثير من الصفات النبيلة مع الشعراء وغيرهم من الأدباء والمثقفين طيلة حياته. مثقفون وأدباء وفي مشاركة الرواد الأوائل للندوة، استعرض عبدالرحمن بن فيصل المعمر -رحمه الله- بدايات معرفته بمؤسس الندوة، ودعوته إلى أول جلسة له فيها، وما تبعها بعد ذلك من لقاءات بالرفاعي في الندوة وخارجها، وما صحب ذلك من تنقلات للندوة، وما واكبها من إقبال روادها من مثقفين وأدباء، وما عاشه مع المحتفى به من مواقف تجمع على قامة كبيرة رحلت إلاّ أنها ظلت سامقة في مشهدنا الثقافي. ووصف السيد عمر بن حامد الجيلاني رحيل عبدالعزيز الرفاعي بالحي الذي ما تزال تتردد في كل ندوة مكارم أخلاقه، والتي لا يزال يرددها روادها لما لمؤسسها من دور ريادي ثقافي، وما أبرزته الندوة طيلة مسيرتها من تعزيز للحضور الثقافي وأعلام الأدب ورموزه. كنز معرفي وبلغت مؤلفات عبدالعزيز الرفاعي -رحمه الله- ما يزيد على عشرين كتاباً، تنوّعت بين السيرة الأدبية، والدراسات التراثية، والبحوث الأدبية، والدواوين الشعرية، ومن أشهرها (جبل طارق والعرب) -1390ه-، و(كعب بن مالك: الصحابي الأديب) -1391ه-، و(الحج في الأدب العربي) -1395ه-، و(توثيق الارتباط بالتراث العربي) -1397ه-، وكذلك (رحلتي مع المكتبات) -1413ه-، و(رحلتي مع التأليف) -1413ه-، و(ظلال ولا أغصان) ديوان شعر -1413ه-، ولشخصيتنا مؤلفات ضمن سلسلة المكتبة الصغيرة، مثل (أم عمارة)، (ضرار بن الأزور)، و(أرطاة بن سهية)، و(زيد الخير)، كما جمع مقالاته وتعليقاته في كتاب أسماه (كناشة الرفاعي)، ولشخصيتنا مكتبة ثرية تنثر أصالتها وتشيع معارفها، وقد استقبل صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز -المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين ورئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز ورئيس مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية-، وأيضاً د. يحيى محمود بن جنيد عضو مجلس أمناء المجمع ورئيس مركز البحوث والتواصل المعرفي علاء بن عبدالعزيز الرفاعي، وذلك لتسليم مكتبة الشيخ عبدالعزيز بن أحمد الرفاعي -رحمه الله- التي تبرعت بها عائلته لتصبح من المكتبات التابعة لمجمع الملك عبدالعزيز للمكتبات الوقفية، وجرى خلال اللقاء استعراض محتويات المكتبة التي تُمثل كنزًا معرفيًا للأدباء والباحثين بما تضم من نفائس الكتب والمجلدات والدوريات والنوادر، بالإضافة إلى أوراق ومراسلات الرفاعي مع أدباء ومثقفين في المملكة والعالم العربي. أصالة والتزام وتميّز شعر عبدالعزيز الرفاعي -رحمه الله- بالأصالة والالتزام بالقيم الإسلامية والعربية، وتنوّعت موضوعاته بين الإسلاميات والوجدانيات والرثاء والوصف والتأملات، وصدرت له ثلاثة دواوين شعرية، كما نُشرت له قصائد متفرقة في الصحف والمجلات، وقد تناول الباحث إبراهيم الشتوي شعره في رسالة علمية بعنوان: أدب عبدالعزيز الرفاعي، عُدت مرجعاً مهماً في دراسة منهجه الأدبي. وقال الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة: إن ندوة الرفاعي معلم من معالم الأدب والثقافة في المملكة لرجل اتصف بحسن الخلق لكل من عرفه وجمعته به صلة، ولقد كانت هذه الندوة منطلقًا لتواصل علامات أدبية في المملكة والدول العربية بمن تواصلوا معها عبر تلقائية الحديث الذي يتصاعد إلى ذروات المعارف والعلوم، وإلى عالم فسيح من المعرفة مع رواد كبار أدركت منهم قامات أدبية وثقافية محليًا وعربيًا، وأستطيع القول إن الرفاعي من العصاميين المغرمين بالأدب والثقافة والشعر، عاشقًا للمعرفة ومحبًا للكتاب مخطوطًا ومطبوعًا، فقد نذر نفسه للعلم تاركًا لنا أدبًا وكتبًا تعلم العقل وتنير القلوب ربط من خلالها القارئ بالتراث الأدبي العربي العريق في سلسلة المكتبة الصغيرة، عبر أسلوب في التأليف، وطريقة في التناول تميز بحس وحسن الاندماج، إذ كان آية في الحس بموضوعات ما يكتب. تهذيب ووفاء وقال الدكتور عبدالله مناع عن عبدالعزيز الرفاعي: كان مدرسة في الأدب والتهذيب والوفاء، لا تملك إلاّ أن تحبه وتحترمه. وأوضح عبدالله الجفري أن الرفاعي من رجالات الأدب الذين حملوا مشعل الثقافة في بلادنا بوعيٍ ومسؤولية. وذكر إبراهيم الشتوي أن أدب الرفاعي يجمع بين عمق التراث وحرارة المعاصرة، فهو أحد من رسّخوا الهوية الأدبية السعودية الحديثة. ونال عبدالعزيز الرفاعي العديد من الجوائز والأوسمة تقديراً لإسهاماته الثقافية، منها وسام الاستحقاق الثقافي من تونس 1390ه، ودرع جامعة الملك سعود 1401ه، وبراءة تكريم الأدباء السعوديين وميدالية الاستحقاق 1394ه، والوثيقة الذهبية من رابطة الأدب الحديث بمصر 1402ه، وكذلك درع النادي الأدبي بأبها 1411ه، ووسام التكريم في مؤتمر القمة الخليجي العاشر بمسقط 1410ه، كما مُنح شخصيتنا الزمالة الفخرية من رابطة الأدب الحديث بمصر، وعضوية الشرف في رابطة الأدب الإسلامي العالمية. بصمة بارزة وترك عبدالعزيز الرفاعي -رحمه الله- بصمة بارزة في المشهد الثقافي السعودي، وكان من أوائل من ربط بين العمل الثقافي المؤسسي والإبداع الأدبي الحر، وقد مثّل حلقة وصل بين جيل الرواد وجيل الحداثة، وساهم في ترسيخ مفهوم الندوات الثقافية الخاصة والنشر الأدبي المحلي، وقد ظل اسمه مقترناً ب»الخميسية» التي شكلت منبراً للفكر والأدب لعقود طويلة. إن الرفاعي من أعلام الأدب السعودي ومثقفيه الذين ساروا تحت رايته ولوائه شاقين دروب العلم والمعرفة والأدب والثقافة، فاستطاعوا رفع كيان أدبي وراية ثقافية ومعين معرفي لينخرط في سلكه الجيل تلو الآخر من الكتاب والأدباء والشعراء والمثقفين، وإذا كان ثمة فارق زمني بين الرفاعي وسواه من الرواد المشهورين كالعواد والعامودي، فإن ثمة ريادة معنوية وموضوعية في الفكرة والطرح والإنتاج الأدبي يتساوى في هذا مع أولئك الذين سبقوه زمنيًا ببضعة سنين ليس إلاّ، وللمرء أن يقف على كتبه ومصنفاته ليرى قيمة الرفاعي الأدبية وحمله الراية الثقافية عقودًا من الزمن وسنين طويلة من عمره، وليس هذا الشأن مما يتوجس منه المرء بالقدر الذي يشهد بما علمنا في العلم والعمل وفي الأدب والدين وفي الفكر والمعتقد، وكذلك في المعاملة الحسنة ونبل أخلاقه فيها، وهي الصفات والقيم الحميدة التي تحلى بها روادنا الأدباء وما الرفاعي -رحمه الله- إلاّ منهم. توفي الرفاعي يوم الخميس 13 ربيع الأول 1414ه بعد معاناة مع المرض، وصُلّي عليه في المسجد الحرام، ودُفن في مقبرة المعلاة بمكةالمكرمة، وبوفاته فقدت الساحة الثقافية السعودية واحداً من أبرز أعلامها، إلاّ أن إرثه الأدبي والفكري ظل باقياً في مؤلفاته ومبادراته الثقافية. الرفاعي انتقل مع أسرته إلى مكة وتلقّى تعليمه بمدرسة الصفا التحضيرية ديوان عبدالعزيز الرفاعي جمعه د. عائض الردادي أسهم بدور فعّال في بناء المؤسسات الثقافية والإعلامية الرفاعي حمل مشعل الثقافة بوعي ومسؤولية إسهامات الرفاعي الأدبية جعلته ينال الجوائز والأوسمة إعداد- صلاح الزامل