في مشهد يتكرر في قاعات تدريب عربية كثيرة، يتحدث المدرب الإنجليزية بطلاقة، فيما يجلس المتدربون في صمت مرتبك يلتقطون مفردات متناثرة لا ترسخ معرفة ولا تبني مهارة. تنتهي الدورة، وتُسلَّم الشهادات، لكن الأثر يبقى غائبًا. هذا الواقع لا يقتصر على الانطباعات؛ إذ يؤكد المستشار في مهارات الاتصال أنس محمد الجعوان ل«الرياض» أن الأرقام تدعم الصورة: نحو 12% فقط من المتدربين يطبقون ما تعلّموه في بيئة العمل، وأكثر من 40% يرون أن التدريب الذي تلقّوه كان غير فعّال، فيما تشير بيانات إقليمية إلى أن قرابة 35% فقط من موظفي القطاع العام في الخليج يمتلكون المهارات المطلوبة لمهامهم. يرى الجعوان أن المشكلة لا تكمن في استخدام اللغة الأجنبية بحد ذاته، بل في فرضها ضمن سياق لا يخدم الفهم ولا يراعي جمهور المتلقين. فحين تُقدَّم المادة التدريبية بلغة لا يستوعبها المتدرب، يتحول التدريب إلى نشاط شكلي غايته شهادة تُضاف إلى السيرة الذاتية، بينما تبقى المعرفة والمهارة على الهامش. ويضيف أن اللغة ليست مجرد وسيلة إلقاء، بل جسر للتواصل الحقيقي؛ وأي حاجز لغوي يضعف أثر التدريب ويقلل فرص تحويله إلى ممارسة فعلية في مواقع العمل. وبمنهج استقصائي يربط بين الملاحظة والبيانات، يشدد الجعوان على أن تحسين فاعلية التدريب يبدأ من تصميم برامج تُقدَّم بلغة المتدربين، وتدمج التمارين العملية، وتشجع الحوار، وتبتعد عن استعراض المصطلحات الأجنبية بلا ضرورة. فالتدريب الذي لا يُفهم—مهما بدا احترافيًا في عرضه—لا يغير واقعًا ولا يرفع إنتاجية، لأن معيار الجدوى ليس جمال المادة ولا صرامة القاعة، بل ما ينتقل من المفاهيم إلى السلوك. ويخلص الجعوان إلى معادلة بسيطة تُجمل القضية: الفاعلية تبدأ من الفهم، والفهم يبدأ من لغة تصل؛ أما الشهادة بلا مهارة، فليست سوى ورقة بلا قيمة. بهذه البوصلة، يدعو جهات التدريب إلى إعادة هندسة محتواها وأساليبها، انطلاقًا من لغة الجمهور وانتهاءً بقياس الأثر في بيئة العمل، حتى لا تبقى الدورات مناسبات بروتوكولية تنتهي بالتصفيق، وتفشل عند أول اختبار للممارسة. أنس الجعوان