في صمت الرمال، وبين تضاريس الصخر، وجنون التنوع تتحدث المملكة العربية السعودية بلغة التاريخ، وموطن الحضارات المتعاقبة، وشاهد حي على ولادة الإنسان، وتطور العمران، وتلاقي الثقافات. تسعى المملكة، من خلال رؤية 2030، إلى إعادة تعريف موقعها الحضاري عالميًا كأرض زاخرة بالإرث الإنساني، والمادي والطبيعي، وقد باشرت الجهات المختصة، كمنظومة الثقافة، في خطوات نوعية للحفاظ على الآثار، وتسجيلها في قائمة التراث العالمي (اليونسكو)، لتصبح هذه المواقع رواة لقصة وطن لم ينقطع عن التاريخ. في قلب مدينة تبوك، تقف قلعة تبوك الأثرية شامخةً كأحد أقدم الشواهد الحية على تاريخ الجزيرة العربية، وكنز من كنوز التراث العمراني الإسلامي. لم تكن القلعة مجرد حصن دفاعي، بل كانت محطة مهمة من محطات طريق الحج، تستقبل الحجيج القادمين من الشام وتقدم لهم ما يحتاجون فبين جدرانها، تسكن قرون من التاريخ، وتتنفس حجارتها شيء من تلك العصور والمشاهد. «موقع استراتيجي» تقع قلعة تبوك الأثرية وسط المدينة القديمة، بالقرب من «عين السكر»، التي لطالما شكلت موردًا مائيًا أساسيًا للحجاج والمسافرين، وسُميت كذلك نسبة إلى نباتات كانت تنمو حولها. شكلت القلعة إحدى المحطات الرئيسة على طريق الحج الشامي، الذي يمتد من الحدود السعودية الأردنية وصولًا إلى المدينةالمنورة، مرورًا بعدد من القلاع والمنازل المُخصصة لخدمة الحجيج. «بناء وتجديد» تعود أصول القلعة إلى عام 976ه، وقد شُيّدت على أنقاض بناء أقدم، مما يمنحها مكانة زمنية عميقة. أعيد ترميمها عدة مرات: في 1064ه، ثم في 1259ه حيث شُيّدت من جديد بشكل شبه كامل، وخلد هذا التجديد بنقش داخل مسجدها. كما خضعت لأعمال ترميم لاحقة في 1370ه، وأخرى شاملة عام 1413ه، وصولًا إلى مشروع التجديد الكبير الذي أطلقته الهيئة العامة للسياحة عام 1434ه، وحوّلها إلى متحف مفتوح يعرض قطعًا أثرية وتراثية نادرة. «هندسة دفاعية ووظائف متعددة» تتكون القلعة من طابقين. في الأسفل، فناء مكشوف تحيط به حجرات ومسجد وبئر ماء. ومنه يصعد الزائر إلى الطابق العلوي حيث مسجد مكشوف، وسلالم تقود إلى أبراج الحراسة التي تشهد على الوظيفة الدفاعية للقلعة. وقد بُنيت باستخدام الحجارة والطين والنورة، بينما سُقفت بأخشاب النخيل وجذوع الأشجار. هذه العناصر تمنحها طابعًا نجديًا مميزًا وتُظهر فهمًا عميقًا لطبيعة البيئة. «نحو متحف متجدد» اليوم تقف هذه القلعة كمتحف أثري وتراثي، يروي للزوار حكايات قوافل الحجاج، والجنود، والرحّالة الذين مروا بها. فهي قلعة لا تعيش في الماضي فحسب، بل تُعيد إحياءه، وتمنح الحاضر نافذة على تاريخ تبوك العريق.