في ظل التحوّلات الكبرى التي يشهدها القطاع الصحي في المملكة العربية السعودية ضمن إطار رؤية السعودية 2030، تتجه الأنظار نحو بناء منظومة صحية جديدة تُعيد تعريف مفهوم الرعاية، لتكون أكثر استدامة وإنسانية وارتكازاً على القيمة. ولم تعد الرعاية الصحية تُقاس بعدد الخدمات المقدَّمة، بل بمدى تأثيرها في جودة حياة الإنسان ونتائجه الصحية الفعلية. وفي هذا السياق، حاورت صحيفة الرياض الدكتور ساربر تانلي، المدير التنفيذي لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في الاستشارات العالمية في منظومة "ماس جنرال بريغام"، وهي إحدى أبرز الشبكات الأكاديمية الطبية في العالم التابعة لجامعة هارفارد. يتناول الحوار كيف تُسهم رؤية السعودية 2030 في إعادة تشكيل مفهوم الرعاية الصحية عالمياً، ودور الشراكات الدولية في دعم نموذج الرعاية القائم على القيمة، إضافةً إلى انعكاسات هذا التحوّل على الكوادر الطبية وصحة السكان وجودة الحياة. 1. ما الذي تمثله رؤية السعودية 2030 بالنسبة للتحوّل العالمي في مجال الرعاية الصحية؟ تمثل رؤية 2030 إحدى أكثر المبادرات الوطنية طموحاً نحو إعادة تصوّر مشهد الرعاية الصحية، لا باعتبارها مجرد خدمة تُقدَّم عند الحاجة إليها، بل كنظام متكامل يحيط بالإنسان ويواكبه في كل مراحل حياته. وتتوافق هذه الرؤية بعمق مع توجهات منظومة "ماس جنرال بريغام" على مدى عقود، من خلال دمج الرعاية والبحث والابتكار، لبناء نظم صحية استباقية تنبؤية وشخصية. فبفضل أكثر من 85 ألف موظف، وخمسة مستشفيات تابعة لجامعة هارفارد، وسجلّ علمي حافل يمتد لأكثر من قرنين من الابتكار والأبحاث، يُجسّد نموذج "ماس جنرال بريغام" حقيقة مفادها أن التوسع والاندماج يمكن أن يتكاملا مع مفاهيم التعاطف والإنسانية. وتعكس مسيرة تحوّل القطاع الصحي في المملكة العربية السعودية هذه الفلسفة ذاتها، بل وتُرسّخ معياراً جديداً للأنظمة الصحية على مستوى العالم. ومن خلال شراكتنا مع مؤسسات رعاية صحية وطنية رائدة مثل شركة الصحة القابضة، نعمل على التجسيد العملي لهذه الرؤية، من خلال بناء منظومة ترتكز على المساءلة، والمساواة في تسهيل الوصول إلى الخدمات الصحية، وهما الركيزتان الأساسيتان في نموذج الرعاية الصحية الحديث. تجسّد رؤية السعودية 2030 رسالة "ماس جنرال بريغام" في تقديم رعاية صحية تُركز على المريض، بمستوى عالمي يعتمد على القيمة، مع تسهيل وصول الجميع، وترسم في الوقت ذاته معياراً جديداً للتحوّل في القطاع الصحي العالمي. 1. ما أوجه التشابه بين شبكة "ماس جنرال بريغام" المتكاملة وبين النموذج العنقودي السعودي؟ يقوم كلا النموذجين على إيمان مشترك بأن التكامل يضمن المساءلة. ففي "ماس جنرال بريغام"، أنشأنا منظومة مترابطة من المستشفيات الأكاديمية وصولاً إلى المراكز التخصصية والرعاية المجتمعية، تعتمد جميعاً على حوكمة موحّدة وبيانات مشتركة. ويعكس النموذج العنقودي في المملكة جوهر هذه البنية، إذ يضمن عمل جميع مستويات الرعاية الصحية بانسجام لتحقيق النتائج المثلى، وألا يقتصر على زيادة حجم الخدمات. وما يميّز التجربة السعودية قدرتها تجاوز الأنظمة النمطية القديمة، وتطبيق أفضل الممارسات القائمة على الأدلة، والتي تطلّب تطويرها عقوداً طويلة. وهنا تكمن قوّة هذا التعاون، فهو يجمع بين خبرة مدينة بوسطن العريقة والطموح الريادي لدى مدينة الرياض، من أجل بناء منظومة صحية وطنية متكاملة. 1. كيف تُعيد الرعاية الصحية القائمة على القيمة تشكيل دور الأطباء والقيادات في هذا المجال؟ تُعيد الرعاية الصحية القائمة على القيمة إحياء الهدف الحقيقي للمهنة الطبية، حيث يتحوّل الأطباء من التركيز على الإجراءات إلى التركيز على النتائج الصحية للمرضى، فيما ينصبّ اهتمام القيادات على توحيد فرق العمل حول أهداف مشتركة تشمل الجودة والوقاية وتجربة المريض. يتطلب هذا التحوّل تعاونًا وشفافية، وقدرة عالية على التعامل مع البيانات الصحية. والنتيجة ليست رعاية صحية أفضل فحسب، بل درجة أعمق من الرضا المهني أيضاً، لأن كلّ فرد في المنظومة يشعر بأنه جزء من منظومة صحية متكاملة تعمل فعلاً لخدمة الناس. وهذا هو جوهر ما تسعى إليه شركة الصحة القابضة بالتعاون مع منظومة "ماس جنرال بريغام" عبر نموذج الرعاية الصحية الحديث، وهو بناء منظومة تُمكّن الأطباء من تحقيق أفضل النتائج الممكنة اعتماداً على نظامٍ صُمّم من أجل التكامل والتعلّم المستمر. وستكون النتيجة؛ تقديم خدمات رعاية صحية تعتمد على القيمة، وتجربة مهنية أكثر إرضاءً لكوادر العاملين، ومنظومة صحية وطنية تعمل لأجل الإنسان. 1. لماذا تُعدّ منطقة الخليج، والمملكة تحديدًا، في موقع مثالي لقيادة التحوّل نحو الرعاية الصحية القائمة على القيمة؟ تشهد المملكة العربية السعودية والمنطقة الآن تحوّلاً استراتيجياً شاملاً ومدروساً. فالمنطقة لا تكتفي بإصلاح أنظمة قائمة، بل تضع أُسس إطار متكامل لمستقبل الرعاية الصحية. وقد أتاحت رؤية السعودية 2030 مساحة فريدة تتقاطع فيها السياسات والاستثمارات ورأس المال البشري في انسجام نادر. ومن واقع خبرات منظومة "ماس جنرال بريغام" وشراكاتها مع العديد من المؤسسات والجهات في أكثر من 40 دولة، يندر أن نشهد هذا المستوى من الزخم والطموح، حيث تتمتّع المملكة بقدرة فريدة على الانتقال من المفهوم إلى التطبيق العملي على نطاق وطني، وهو إنجاز استثنائي بحقّ. ويتمثل دورنا في تقديم الأطر المثبتة عالمياً، بما يشمل نماذج الحوكمة، وأنظمة الأداء، والخبرة السريرية المتقدمة، لدعم وتسريع تحقيق هذه الرؤية مع الحفاظ الكامل على الملكية الوطنية للمنظومة الصحية. 1. ما الأثر المتوقع على المدى البعيد لهذا التحوّل على صعيد صحة السكان وجودة الحياة؟ عندما تلتزم الأنظمة الصحية بالمساءلة وتعزيز قيمة الرعاية الصحية، تتبدّل نتائج الصحة العامة على مستوى السكان. وفي "ماس جنرال بريغام"، لمسنا أثر الرعاية المتكاملة المتمحورة حول الوقاية، في انخفاض معدلات الأمراض المزمنة، وارتفاع متوسط العمر المتوقع، وتعزيز ثقة المجتمع بالمنظومة الصحية. وهذه هي النتائج ذاتها التي نتوقع رؤيتها في المملكة ضمن برنامج تحوّل القطاع الصحي. ومع مرور الوقت، سيُصبح هذا التعاون نموذجاً عالمياً يُحتذى به، وخريطة طريق تُظهر كيف تتكامل الممارسات الطبية القائمة على البراهين العملية، والتقنيات الرقمية، والتصميم الذي يُركز على الإنسان، من أجل تحسين حياة الملايين. وليس هذا النجاح حكراً على "ماس جنرال بريغام" أو شركة الصحة القابضة فحسب، بل هو قيادة حقيقية للمنظومة الصحية العالمية نحو مستقبل أكثر استدامة ومساواة وكفاءة.