أكد الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وزير الطاقة، خلال مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار (FII9) يوم الثلاثاء الماضي، أنّ أي اقتصاد عالمي يفتقر إلى قطاع طاقة مستدام وموثوق سيواجه انهيارًا حتميًا، وأوضح أن الاقتصاد الجديد يعيد تشكيل أنماط الحياة العالمية، ما يستلزم كميات هائلة من الطاقة لتلبية المتطلبات المتغيرة والمتزايدة. وشدّد على أن الاستدامة والموثوقية في قطاع الطاقة تشكّلان ركيزتين أساسيتين للاستقرار الاقتصادي، إذ يشكّلان قاعدة نمو الاقتصاد الجديد وتطور الصناعات والخدمات، داعيًا إلى الاستعداد لهما اليوم تمهيدًا لعام 2030 وما بعده. لا شك أن غياب الطاقة المستدامة يُمثّل خطرًا وجوديًا على أي اقتصاد، إذ ليست الطاقة مجرد سلعة، بل هي الوقود الحيوي الذي يحرك عجلة الإنتاج: تشغل المصانع، تنقل البضائع، تضيء المدن، وتدير التكنولوجيا المتقدمة. لقد أشعلت ثورة الوقود الأحفوري ازدهارًا أسطوريًا عبر العصور، غير أن النموذج الرقمي للمستقبل يفرض تنويعًا حتميًا لمصادر الطاقة، مع استثمارات فورية في الاستدامة لدرء كارثة محتملة بحلول 2050. ويُقاس التأثير الاقتصادي للطاقة وفق نموذج "الطاقة كعامل إنتاج أساسي" في دفع عجلة النمو الاقتصادي. ففي الولاياتالمتحدة، يمثل قطاع الطاقة نحو 8 % من الناتج المحلي الإجمالي، غير أنه يغطي 100 % من النشاط الإنتاجي ككل، وأكدت دراسة نشرت في مجلة Nature Energy عام 2022 أن انخفاض توافر الطاقة بنسبة 10 % يؤدي إلى تقلص اقتصادي بنسبة 2 - 3 %، نتيجة التأثيرات المتسلسلة عبر سلاسل التوريد. في المقابل، تدعم الطاقة المستدامة النمو الاقتصادي من خلال استثمارات ضخمة وابتكارات متسارعة، وتقلل الاعتماد على الواردات الأجنبية، ما يبني اقتصادًا أكثر مرونة وتنافسية. فبمجرد إنشاء البنية التحتية المتجددة، يتحول مصدر الطاقة -كالشمس والرياح- إلى مورد مجاني دائم، يؤدي إلى انخفاض أسعار الكهرباء واستقرارها، ليستفيد منه المستهلكون والقطاعات التجارية على حد سواء. كما يعزز مزيج الطاقة المتوازن أمن الطاقة الوطني، ويحمي الاقتصاد من صدمات الأسعار العالمية. أما الطاقة الأرخص تكلفة، فإنها ترفع ربحية الشركات، ما يحفّز الاستثمارات الإضافية ويولّد المزيد من فرص العمل. وأوضح الأمير عبدالعزيز أن المملكة تضخ استثمارات هائلة في مشاريع الطاقة النظيفة وأنظمة التخزين المتطورة، مع التوسع المتوازي في الطاقة التقليدية، لتحقيق هدف 50 % من المتجددة و50 % من الغاز لإنتاج الكهرباء بحلول 2030. كما ارتقت القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة إلى 64 جيغاواط هذا العام، مقابل 3 جيغاواط قبل خمس سنوات، ما يُجسد التزامها بتعزيز البنية التحتية الطاقية وتسريع الانتقال إلى اقتصاد مستدام منخفض الانبعاثات. وفي مجال البطاريات، أكد الوزير أن السعودية تستهدف خفض تكاليف تخزين الطاقة العام المقبل لتتجاوز التنافسية الصينية، لتصبح الأكثر جاذبية عالميًا. تبلغ تكلفة المشاريع (4 ساعات تخزين) 409 دولارات / كيلوواط ساعة، أقل بنسبة 77 % من ألمانيا، وتقترب من الصين (404 دولارات). وطرحت المملكة 30 جيجاواط / ساعة، منها 8 جيجاواط متصلة والباقي قيد التطوير. إن الانتقال إلى الطاقة المستدامة ضرورة اقتصادية حتمية، لا خيارًا بيئيًا فحسب؛ فهي عماد الاستقرار والنمو، وتحمي الأجيال من نضوب الموارد. وعلى الحكومات والشركات الاستثمار السريع في الطاقة المتجددة لتجنب الانهيار. كما قال فاينمان: «الطاقة هي كل شيء».. فقدان استدامتها يعني فقدان الوجود.