عندما يحقق الإنسان قيمهُ الاجتماعية وقيمتهُ الشخصية بتوازن شامل؛ يستطيع أن يعيش حياةً هادئة؛ تتجللُها السمو والرسوخ نحو المستقبل الزاهر. وتكون له القدرة الثاقبة في رؤية معظم أهدافه، شريطة التخطيط السليم نحو الهدف المحدد. وهذه المفاهيم لا تنطبق على الفرد وحسب، وإنما تنطبق أيضًا على المؤسسات الخاصة والعامة... وإلخ من مؤسسات ذاتَ صلةٍ بالإنسان. فالبحث عن القيمة الإنسانية والتفكير في اكتسابها هي أساس الحياة. فجميع البشر يركنون نحو القيم الاجتماعية، بينما يهملون القيم البشرية. فالأولى مكملات لحياته الاجتماعية من مكانٍ جيد وجميل ومقتنيات خاصة تجلب له السعادة واللذة... وإلخ من حياة الدعة والترف. أما الثانية وهي أهم قيمة في حياة الإنسان، وهو الاكتفاء الذاتي من متطلبات الحياة الأساسية والضرورية من توفر المسكن اللائق والتعليم والصحة والمأكل الصحي والمياه الوافرة. وفي عصرنا الحالي تُشكل شبكة الكهرباء والاتصالات الرقمية، وأضف إليها الذكاء الاصطناعي؛ فجلها عوامل مهمة في حياتنا، فضرورتها لا تقل عن ضرورة وفرة المياه. ويتجلى من هذه المعطيات دور الثقافة: هي أعلى هرم في القيم البشرية، فالإنسان المثقف القارئ المطلع على الكتب والصحف؛ يعيش أفضل حياة من غيره، فهو في كل يوم يعيش حياة مختلفة فتارة يَطّلع على التاريخ ويعيش لحظاته وتجلياته وتارة أخرى يقرأ الروايات والقصائد ويعيش في خيالاتها وجمالها وروح المغامرة ويستأنس بين الأحرف والكلمات وعذوبتها. ومن ناحية أخرى نجد ذلك المنغمر في جمع الأموال وحساباتها يفكر كيف يعيش غدًا ولا يعلم أنه في هذه الحال سيعيش عيشةً ضنكا، وربما تنهي ساعته الزمنية مبكرًا؛ لأنه لم يفكر في الحياة على طبيعتها وسجيتها، لقد أسرف كل طاقاته خوفًا من التعاسة والفقر، مما أتعب نفسه وجسده. حينما أقول إن الثقافة أعلى درجة في القيم البشرية هذا لا يعني أن أبدأ بها أولاً، فالوصول لهذه الدرجة عليَّ أن أحقق تكويني العائلي وأن لا أعيش منطوياً. يقول المفكر المصري سلامة موسى في كتابه فن الحياة: «الرجل الذي وفِّق إلى اختيار زوجته واستمتع بحبه لها وعنايتها به، وأعقب أولادًا وتعب لهم حتى نموا وأينعوا أمام عينيه، مثل هذا الرجل قد حظي بنصيب عظيم من متع الحياة». وكذلك ينطوي على اختيار العمل المناسب واختيار الصديق الإيجابي جميعها ستعزز وجودك الثقافي والإنساني في الحياة وتجعلك تنظر لها بجمال روحها وطبيعتها فترنو إليها بدهشة وتعجب.