مبادرة الحماية الرقمية للأطفال بامتدادها الدولي تحتاج أكثر إلى شراكة داخلية في كل دولة، ومن الأجهزة الأكثر حضورًا وتأثيرًا على حياة الأشخاص، كالتعليم والصحة والمنابر الإعلامية صاحبة الشعبية، وبما يحقق -نسبيًا- وعيًا اجتماعيًا يحجّم المخاطر، ويعزّز من فاعلية أدوات الحماية والرقابة الرقمية الواجب توفرها.. المملكة مهتمة بأمن الأطفال على الإنترنت، وقد بدأ سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مبادرة دولية خاصة بهذه المسألة في يوليو 2024، بعد اعتمادها من مجلس حقون الإنسان في الأممالمتحدة بالإجماع، وفي خطتها الوصول لأكثر من 150 طفلا في العالم، وتطوير مهارات السلامة السيبرانية لنحو 16 مليون مستفيد، وكلاهما يؤكد على دور الدولة القيادي في الجهود الدولية لبناء فضاء رقمي آمن بدرجة أكبر، ولكل طفل على ظهر الكوكب، ولإيقاف تعرض الأطفال في أكثر من 50 دولة للتهديدات السيبرانية، وفي أكتوبر الحالي، أطلقت مؤسسة المنتدى الدولي للأمن السيبراني في الرياض، وتحديدا في دورتها الخامسة، مؤشر حماية الطفل في الفضاء السيبراني، وذلك بالتعاون مع المعهد الدولي ومجموعة من المنظمات الدولية.. والمؤشر سيكون بمثابة أداة قياس تعمل على تحقيق أمان أكبر للأطفال، وعلى تزويد صناع القرار بأفكار عملية تدعم حماية الطفل إلكترونياً، وبمنهجية شاملة تستوعب المدارس والأسر والبنية التحتية والقطاع الخاص، وسياسات الدول تجاه الطفل، خصوصا أن 86 % من هذه الدول لا توجد لديها استراتيجية وطنية لحماية أطفالها سيبرانياً. زيادة على ما قيل، أوضح مسح للمنتدى الدولي بالتعاون مع مجموعة بوسطن الاستشارية، تم إجراؤه على 24 دولة في ست مناطق جغرافية، ونشر في 2024، أن 93 % ممن يستخدمون الإنترنت حول العالم تتراوح أعمارهم ما بين ثمانية أعوام و17 عاماً، في إشارة لأنهم يعتبرون أطفالا من الناحية القانونية، والأصعب أن 62 % من الأطفال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومعهم 70 % من أطفال أميركا اللاتينية، يبدؤون استخدام الإنترنت في سن الثامنة، وهم أكثر عرضة للتهديدات السيبرانية مقارنة بغيرهم، والأطفال لا يفهمون معنى الخصوصية، وقد يرسلون صورا شخصية على الإنترنت لمن لا يعرفون، أو يشاركونهم معلومات خاصة، أو تفاصيل متصلة بالجسد، ويتحولون بالتالي إلى ضحايا للاستغلال الرقمي بأشكاله. الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، لأن التقرير نفسه، قال إن 65 % من الآباء في الشرق الأسط وشمال أفريقيا لا يراقبون سلوكيات أطفالهم على الإنترنت، وأن 54 % من أطفال العالم قاموا بإعطاء بياناتهم وأرقام التواصل الخاصة بهم لأشخاص لا يعرفونهم، و30 % تواصلوا مع هؤلاء عن طريق الكتابة، فيما لم يمانع 15 % من الخروج مع شخص لم يتعرفوا عليه إلا في الشبكة العنكبوتية، وما سبق يستحق وقفة عالمية جادة، ومتابعة من الوالدين لسلوكيات أطفالهم الرقمية، وعدم الإفراط في الثقة بهم، لأن نظرتهم للأمور ليست ناضجة، وتصرفاتهم قد تكون مندفعة. خسائر الجرائم السيبرانية في العام الجاري وصلت إلى 10 ترليونات و500 مليار دولار، والمفارقة أن الدول الغنية تدفع 30 دولارا على كل مواطن فيها لحمايته إلكترونيا، بينما لا يتجاوز إنفاق الدول النامية على مواطنيها دولاراً واحداً، وهناك عجز عالمي فيما يتعلق بالكفاءات في مجال الأمن السيبراني، يقدر بحوالي ثلاثة ملايين متخصص، ما يعني أن الدراسة في هذا التخصص ربما وفرت لصاحبها وظيفة شبه فورية. بيانات منظمة مراقبة الإنترنت تشير إلى أن 74 % من الأطفال الذين تعرضوا للتحرش والاعتداء نتيجة لسلوكياتهم الرقمية لا يبلغون أسرهم بها، تجنبا لردود أفعالهم السلبية.. وقبل أشهر حذر خبراء سيبرانيون من تبادل صور ومعلومات الأطفال على الإنترنت، لأنها قد تستغل في سرقة هوياتهم وانتحال شخصياتهم في المستقبل القريب، ولاحظت دراسة نشرتها جامعة ساوثهامبتون البريطانية مؤخراً، أن صور أو مقاطع فيديو الأطفال الموجودة على الإنترنت تكون متاحة للسرقة والاحتيال بمجرد نشرها، وقد تستغل في التنمر عليهم وابتزازهم إلكترونياً، ودول الاتحاد الأوروبي مشغولة هذه الأيام، بإقرار تشريع يحدد سن رشد رقمي، لاستخدام بعض المنصات والخدمات الرقمية، وتأمين أدوات رقابة أبوية أكثر صرامة، تمنع الإعلانات الموجهة من الوصول الى القاصرين، لحمايتهم من المخاطر السيبرانية، في زمن سيطرة الخوازميات الذكية، وتدخلها في ترتيب أولوياتهم، وفي أستراليا لاحظوا وجود تطبيقات للذكاء الاصطناعي يمكنها أخذ صور أطفال عادية وواقعية من على السوشال ميديا وتحويلها الى تسجيلات فيها اعتداءات غير أخلاقية عليهم، وهم يطالبون الحكومة الأسترالية بإصدرار تشريعات للتعامل معها. عمر الإنترنت في المملكة لا يتجاوز 27 عاماً، فهو لم يتح لكل أحد إلا في أواخر 1998، ورغم أنه قصير في عمره، إلا أن تأثيره على المجتمع السعودي كان كبيراً وظاهراً، وأحدث نقلة واضحة في طريقة تفكير الناس، وفي نظرتهم للأمور، وفي تقبلهم للآخر، والصحيح هو أن العالم بأكمله تغير بفعل الإنترنت وما بداخله، وأصبح الأشخاص فيه متشابهين بشكل غريب، بصرف النظر عن المجتمع والثقافة والحدود الجغرافية.. وفي تصوري، مبادرة الحماية الرقمية للأطفال بامتدادها الدولي تحتاج أكثر إلى شراكة داخلية في كل دولة، ومن الأجهزة الأكثر حضورا وتأثيرا على حياة الأشخاص، كالتعليم والصحة والمنابر الإعلامية صاحبة الشعبية، وبما يحقق -نسبيا- وعيا اجتماعيا يحجم المخاطر، ويعزز من فاعلية أدوات الحماية والرقابة الرقمية الواجب توفرها.