يقول الله تعالى: «وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شرٌّ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون»، إن من كمال الإيمان أن يوقن العبد بأن تدبير الله له خيرٌ من تدبيره لنفسه، وأن ما يختاره الله له أرحم وأعلم وأحكم مما يختاره هو، فالله يعلم وأنت لا تعلم، ويرى ما لا تراه، ويمنع ليعطي، ويبتلي وفي طيّات بلائه من اللطف ما لا تدركه الأبصار. الثقة بالله ثمرة يقين ورضا، فإذا سلّم المؤمن قلبه لله، ورضي بقضائه، واستراح لتدبيره، عاش مطمئنًا ساكنًا ولو كان في قلب العاصفة.. وتأمل قصة موسى والخضر، عليهما السلام؛ فمشاهدها الثلاثة تكشف سر القضاء والقدر، «السفينة التي خُرقت: كسر يسير دفع شرًا كبيرًا، الغلام الذي قُتل: شرٌّ في ظاهره، ورحمة خفيّة في باطنه، الجدار الذي أُقيم: نعمة ادّخرها الله حتى يحين موعدها».. وبين هذا وذاك تمشي الحكمة مستترة لا يراها إلا من أبصر بنور الإيمان. ومن لطف الله أن البلاء ليس دائمًا عقوبة، بل كثيرًا ما يكون حمايةً ودفعًا لشرٍّ لا نراه، وقد يمنع الله ليعطي، ويؤخر ليقرّب، ويُغلق بابًا ليفتح خيرًا منه، ففي كل ابتلاء لطف، وفي كل منع عطاء، وفي كل قدر رحمة وإن خفيت. قد يتأخر الزواج لحكمة لا تُدركها، وقد تُمنع من وظيفة تظنها خيرًا وفيها ما يضرّ قلبك، وقد تُغلق أمامك أبواب لتُفتح أخرى ما كنت لتصل إليها لولا ذلك الإغلاق، وربما سعيت لتخصص تحبه وبذلت فيه جهدك ثم سُدّ الطريق فجأة.. تراه خسارة وتشعر بالضيق، وقد تجهل الحكمة.. لكن سيأتي يوم تفهم فيه السبب، وعندها ستقول بقلب راضٍ: «الحمد لله أن الأمر لم يتم». فما يختاره الله لك خير مما كنت تختاره لنفسك، وإن خالف هواك، فالخير لا يسكن دائمًا فيما نحب، بل كثيرًا ما يكون فيما لم نختره، منطق السماء لا يقاس بمنطق الأرض، قال ابن القيم -رحمه الله: «مصلحة العبد فيما يكره، أكثر منها فيما يحب، وكثير من محبوباته تحمل هلاكه، وكثير من مكروهاته تحمل له مفاتيح السعادة». أنت ترى طرف الصورة، بينما يرى الله المشهد كله؛ بداياته ونهاياته، وما يصلحك وما يفسدك، حتى قال بعض السلف: «لو كُشف الحجاب، ما اخترنا إلا ما اختاره الله لنا».. فالرضا بالله جنة المؤمن في دنياه؛ من دخلها ذاق حلاوة الإيمان وامتلأ قلبه سكينة وطمأنينة.