لم يعد تغير المناخ مجرد تحد بيئي، بل تحول إلى تهديدات استراتيجية تعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي والعسكري عالميًا. تُعرِّف العديد من الجيوش الكبرى، مثل البنتاغون الأمريكي وحلف الناتو، تغير المناخ بأنه «مضاعف للتهديدات (Threat Multiplier)، أي أنه يعمق التحديات الأمنية القائمة ويخلق أخرى جديدة، ما يضع أعباءً غير مسبوقة على القوات المسلحة والعمليات العسكرية. * ما التأثيرات المحتملة على البيئة التشغيلية والعمليات العسكرية؟ 1. التأثير على البنية التحتية يؤدي ارتفاع درجات الحرارة والجفاف إلى تقليل العمر الافتراضي في المنشآت والبنية الأساسية، وزيادة في مستوى المصروفات على المعدات العسكرية والتأثير على جودة تخزين الذخيرة. كما يهدد ارتفاع منسوب مياه البحار أو العواصف الشديدة أو زيادة الأمطار وجريان الأودية على القواعد في المناطق العسكرية والبحرية والساحلية، خاصة تلك الموجودة في المناطق المنخفضة. كما يمكن أيضا أن تتسبب الفيضانات أو الزلازل أو البراكين في إلحاق أضرار جسيمة بمدارج الطائرات ومخازن الذخائر ومراكز الاتصالات وكذلك الحرائق. 1. إهمال التغير المناخي يؤدي الى تعقيد على خطط المواجهة أن إهمال الدراسات المناخية وتغيراتها يؤثر على بيئة التخطيط من حيث استخدام الأدوات المناسبة والمستخدمة في بيئة المعركة، الأمر الذي يتطلب تطوير قدرات عسكرية جديدة متوافقة للعمل في هذه البيئات المتغيرة. وتزداد مخاطر العمليات العسكرية في عدم مناسبة جودة ونوعية مستوى كفاءة الأسلحة العسكرية لمستوى تغير الطقس في المستقبل وتأثيراتها الجانبية على كفاءتها 1. تحديات التدريب والجاهزية إن من أهداف التدريب رفع الجاهزية القتالية والقدرة على العمل في مختلف البيئات المناخية المختلفة، وجعل المتدرب قادراً على تحمل البيئات المناخية المتنوعة كما أن الحاجة هامة إلى وجود برامج تدريبية وتمارين مشتركة تهدف إلى تحسين وتطوير خبرات التدريب الشاملة للقدرة على مواجهة التغيرات البيئية و المناخية. 2. الضغط على سلاسل الإمداد والتموين تزداد صعوبة تأمين خطوط الإمداد في ظل الظروف المناخية القاسية. كما أن الحاجة إلى توفير المياه والطاقة للقوات في مناطق قد تعاني من ندرة الموارد فانها تزيد من تحديات لوجستية إضافية. 3. العمليات الجوية والبحرية: تؤثر الرياح القوية، وضعف الرؤية، وارتفاع درجات الحرارة، وزيادة الاضطرابات الجوية على عمليات إقلاع الطائرات وهبوطها، والملاحة، واستهلاك الوقود، ما يؤخر المهام العسكرية. 4. زيادة الإنفاق العسكري على التغيّرات المناخية: متطلبات توفير التمويل: في مواجهة الاضطرابات المناخية والتحول المناخي. أسلحة أقل اعتمادًا على الوقود: تطوير ذخيرة صديقة للبيئة بدلا من الذخائر التقليدية التي تأتي بتداعيات سلبية على البيئة. إنتاج المركبات التكتيكية ذات الدفع الهجين وتوفير الكهرباء الخالية من التلوث الكربوني بنسبة 100 %. الاستمرار في البحث والتطوير والاعتماد على الابتكار: لما لها من أهمية لطبيعة الأرض وتطوير قدرات عسكرية مناسبة من المؤكد أن التغير المناخي سيصبح جزءًا لا يتجزأ من التخطيط الاستراتيجي العسكري. لم يعد السؤال المهم هل للمناخ تأثير على العمليات العسكرية، بل الأهم أن نعرف الإجابة عمّا هي الاستعدادات اللازمة للتكيف مع التغييرات البيئية والمناخية المتغيرة وأثرها على البيئة التشغيلية العسكرية؟. دور القوات المسلحة بين التكيف والمساهمة في مكافحته بينما تتعامل الجيوش مع الآثار المدمرة لتغير المناخ، فإنها تواجه أيضًا تحديًا داخليًا يتمثل في حجم بصمتها الكربونية الهائلة. هذا يضع القوات المسلحة في وضع مواجهة فهي في حاجة ماسة إلى التكيف مع المتغيرات المناخية وفي الوقت نفسه، عليها المساهمة في جهود التخفيف من انبعاثات الغازات. كيف تستعد الجيوش للعالم القادم للمتغيرات المناخية؟ أهمية تحديث استراتيجية مواجهة التغيرات المناخية: تدفع الاستراتيجية الإجراءات الرامية إلى تعزيز استعداد القوات ومرونتها وقدراتها على: تعزيز ومرونة المنشآت واستدامتها من مخاطر تغيّر المناخ. الانتقال إلى استخدام المزيد من خيارات المركبات الهجينة تدريجيا إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي التكتيكي. الاستعداد للعمليات وسط آثار تغيّر المناخ. دراسة مخاطر ارتفاع درجات الحرارة على استدامة التسليح العسكري إعادة تقييم المخاطر الاستراتيجية تقوم وزارات الدفاع في العديد من الدول بإدراج تغير المناخ كعنصر أساسي في تقييماتها الاستخباراتية والاستراتيجية طويلة المدى. قد تظهر ساحات جديدة للتوتر الدولي أو تزداد حدتها تحت تأثير عواقب تغير المناخ، مثل الصراعات على الموارد المائية في مناطق معينة. تهديدات الأمن الوطني تتجاوز تهديدات تغير المناخ على الأمن البيئي والمجتمعي لتؤثر على الأمن والاستقرار الداخلي، حيث تزيد من خطر نزوح السكان. تطوير المعدات والتدريب العمل على تصميم معدات عسكرية جديدة لتكون أكثر قدرة على العمل في المستقبل لتتحمل الظروف المناخية المتغيرة، وتحديث برامج التدريب لمحاكاة العمليات في بيئات متطرفة (كالفيضانات أو الحرائق أو المناطق القطبية). تعزيز المرونة التشغيلية بناء قواعد عسكرية أكثر مرونة وأزقل كلفة وسهلة الانتقال حسب التغيرات المناخية مستخدمة بذلك مصادر الطاقة المتجددة لتقليل الاعتماد على الشبكات المركزية، وتطوير خطط طوارئ للكوارث الطبيعية. تحسين كفاءة الطاقة العمل على استثمار الجيوش في تقنيات تحسين كفاءة استهلاك الوقود للطائرات والسفن والمدرعات، والتي تمثل أكبر مصدر للانبعاثات. التحول إلى الطاقة البديلة من المرجح استخدام الوقود الحيوي للسفن والطائرات، وتركيب الألواح الشمسية في القواعد العسكرية لتقليل الاعتماد الكلي على الطاقة الرئيسية واستخدامها كطاقة بديلة أو احتياطية وتطوير المركبات الكهربائية للأغراض اللوجستية داخل القواعد. الاستثمار في التكنولوجيا الخضراء استخدام مواد بناء مستدامة في المشاريع العسكرية قليلة التكاليف ومعتمدة على الطاقة البديلة وسهلة النشر وأيضا معدات مناسبة تعمل بمختلف الأجواء. التحدي الاستراتيجي يظل التوازن بين الحفاظ على الجاهزية القتالية المطلقة وتقليل الانبعاثات تحديًا كبيرًا. فبعض المهام تتطلب قدرًا هائلاً من الطاقة لا يمكن توفيره بمصادر متجددة بالكامل في الوقت الحالي. لذلك تركز الكثير من الجيوش حاليًا على تحقيق الكفاءة كخطوة أولى نحو التحول الأخضر، دون المساس بالقدرات العملياتية. دور التثقيف والتواصل تُعد زيادة الوعي بأهمية التغير المناخي لدى الأفراد العسكريين أحد الركائز الأساسية لتحقيق استراتيجية الجيوش لمواجهة تحديات المستقبل. كما أن الحاجة ملحة إلى التثقيف على المخاطر الصحية بسبب متغيرات المناخ والظروف الجوية القاسية. إن العلاقة بين الجيوش وتغير المناخ هي علاقة معقدة، فالجيوش هي مؤسسات مستهلكة للطاقة وتؤثر على المناخ. ومن ناحية أخرى، هي خط الدفاع الأول في مواجهة التهديدات. المستقبل سيتطلب من القوات المسلحة أن تكون أكثر مرونة وكفاءة، ليس فقط في مواجهة العدو التقليدي، ولكن أيضًا في مواجهة تحدي القرن الحادي والعشرين الأكبر في التغير المناخي. القطب الشمالي وتأثيرات المنافسة اكتسب القطب الشمالي أهمية جيواستراتيجية كبيرة خاصة بعد التغيرات المناخية التي جعلته يتغير بشكل ملحوظ بعد أن فقد المحيط المتجمد الشمالي نصف مساحتة المغطاة بالجليد. وسيدفع هذا الاهتمام المتزايد نحو وجود علاقات تنافسية في هذه المنطقة، بحيث يصبح التنافس الدولي في القطب الشمالي حقيقة واقعة بعد أن كان احتمالا، وهناك تحليلات أبدت إلى أن القطب الشمالي سيصبح ساحة للمنافسة والصراع. الممرات البحرية الرئيسة الممر الشمالي الشرقي: يربط بين المحيط الأطلسي والهادئ على طول ساحل القطب الشمالي الروسي من بحر بارنتس إلى الشرق الأقصى. الممر الشمالي الغربي: يربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ عبر المياه القطبية. طرق الشحن عبر القطب الشمالي: طرق آخرى، ولكنها أقل استخداماً. الموارد الرئيسة في القطب الشمالي هي النفط والغاز الطبيعي، والمعادن مثل الفحم، الحديد، النحاس، النيكل، الزنك، الذهب، والماس، بالإضافة إلى المعادن النادرة ذات الأهمية الاقتصادية مثل الليثيوم والهافنيوم واليورانيوم. كما تتوفر الأسماك والمياه العذبة، ولكن استخراج هذه الموارد ما زال صعبا بسبب الظروف القاسية للبيئة القطبية. تنافس القوى الدولية المصالح الروسية في القطب الشمالي: تتجلّى أهمية القطب الشمالي لروسيا في سعيها لتأكيد حضورها البحري، وتوسيع استغلالها للثروات الطبيعية مثل النفط والغاز، وتعزيز دورها الاقتصادي في الملاحة والصيد، ما يضعها في منافسة مع قوى كبرى أخرى مهتمة بالمنطقة ومن أهم مصالحها: توسيع الوجود البحري: حيث تستغل روسيا الطرق الملاحية مثل خطوط الملاحة الشمالية لتعزيز دورها التجاري (كاسحات الجليد، أسطول إنقاذ في حالة الطوارئ، موانئ بحر الشمال). تطوير البنية التحتية: تعمل روسيا على تطوير البنية التحتية لتسهيل استخراج الثروات والملاحة، ما يدعم مصالحها الاقتصادية والعسكرية في تأمين أمن الملاحة (مطارات، منصة لوجستية رقمية للنقل). المصالح الأوروبية في القطب الشمالي: المصالح البيئية: تولي الدول الأوروبية اهتمامًا كبيرًا بالاستقرار البيئي في القطب الشمالي، وتعمل على منع التدهور البيئي الناتج عن النشاطات البشرية. المصالح الاقتصادية: يُمثل القطب الشمالي منطقة غنية بالموارد الطبيعية، خاصة النفط والغاز، التي تتزايد إمكانية الوصول إليها مع ذوبان الجليد، وتسعى أوروبا لاستغلال هذه الموارد بطريقة مستدامة. الصيد المستدام: يمثل الصيد غير المنظم في القطب الشمالي تحديًا، لذلك وقع الاتحاد الأوروبي اتفاقية مع الدول المطلة على المحيط المتجمد الشمالي في عام 2018 لمنع هذه الممارسات وضمان استدامة الثروة السمكية. أهمية القطب الشمالي للولايات المتحدة ظهرت بوادر اهتمام الولاياتالمتحدةالأمريكية في استكشاف القطب الشمالي وإعطاء دراسات وتقارير ميدانية لاستكشاف المزيد عن المنطقة وبرز ذلك في الآونة الأخيرة استطلاع القطب الشمالي ببالون المراقبة الذي تنتجه أيروستار الذي لديه قدرة التحليق على ارتفاعات تتراوح بين 60 إلى 100 ألف قدم، ما جعله بعيدا عن مسارات الطيران المدني وأغلفة الرادار التقليدية كما يمكنه البقاء في الجو لمدة 30 إلى 60 يوما، ليوفر تغطية مستمرة بتكلفة أقل مقارنة بالأقمار الصناعية أو الطائرات المسيرة. إن التغيرات المناخية ستثير منافسة جيوسياسية متزايدة بين الدول ذات المصالح في المنطقة القطبية فالعوامل المحركة في المنافسة هي بالطبع الموارد الطبيعية والممرات الملاحية الجديدة. من الممكن أن تؤثر هذه المنافسات على إعادة افتتاح قواعد عسكرية وتطوير أساطيل بحرية ونشر أنظمة دفاع صاروخي واحتمالية ارتفاع حدة وتصاعد التوتر في القطب الشمالي، ومع زيادة سهولة الملاحة في طرق القطب الشمالي والسعي إلى تحقيق المزيد من شركاء التنمية، ستكون هناك مصالح وطرق تجارة عالمية جديدة وبالتالي تواجد عسكري.