لم يعرف التاريخ ثورة معرفية وتقنية أسرع إيقاعاً ولا أوسع أثراً من ثورة الذكاء الاصطناعي، هذه القوة الخفية التي تسكن الخوارزميات والشبكات، لم تعد مجرد أدوات لتحليل البيانات أو تحسين الكفاءة، بل غدت شريكاً جديداً في صياغة المستقبل، وحاضراً يفرض على المجتمعات أن تعيد النظر في طريقة عيشها وعملها وتعليمها وحتى تفكيرها، في قلب هذا التحوّل، يظهر مشروع Humain بوصفه محاولة جادة لصياغة علاقة متوازنة بين الإنسان والتقنية، المشروع لا ينظر إلى الذكاء الاصطناعي كآلة باردة خالية من الروح، بل كوسيلة تستلهم من الإنسان قيمه وتطلعاته، وتسعى لأن تعيد التقنية إلى أصلها: خدمة البشر. فالذكاء الاصطناعي، مهما تعاظمت قدراته، يظل ناقصاً من دون بوصلة أخلاقية، ومن دون روح إنسانية توجهه إلى الخير والنفع. لقد أثبتت التجارب أن الذكاء الاصطناعي قادر على تشخيص الأمراض بدقة مذهلة، ومتابعة مسارات التعليم بشكل شخصي لكل طالب، وتوقع الأزمات الاقتصادية قبل وقوعها. لكن السؤال الأعمق يبقى: أي إنسان نريد أن يخدمه هذا الذكاء؟ هل نريده أن يكون في صف العدالة، وأن يرفع مستوى حياة الجميع؟ أم نتركه رهينة المصالح الضيقة التي قد تستغل قوته لأهداف لا تخدم الإنسان؟ من هنا تأتي أهمية مشروع Humain الذي يضع الإنسان في قلب المعادلة، ويؤكد أن التقنية ليست غاية في ذاتها، بل وسيلة لحياة أكثر كرامة ومعنى. المشروع يجسّد طموح المملكة العربية السعودية في أن تكون حاضنة للتقنية التي تراعي الثقافة واللغة والقيم، لا مجرد مستورد للتقنيات الجاهزة، فهو امتداد عملي لرؤية 2030، التي ترى في الذكاء الاصطناعي أداة للتنمية المستدامة، ولإطلاق طاقات الشباب، ولتأسيس اقتصاد يقوم على المعرفة والابتكار. إن المملكة، حين تطلق مشاريع كهذه، لا تبحث عن مجرد سبق تقني، بل عن مكانة عالمية تقوم على التوازن بين الأصالة والمعاصرة. فهي تدرك أن بناء المستقبل لا يقوم فقط على معادلات رياضية وخوارزميات، بل على إرادة إنسانية ترى في كل تقدم فرصة لتعزيز قيم العدل، وصون الكرامة، وتوسيع أفق الأمل. الخطر الحقيقي ليس في الذكاء الاصطناعي ذاته، بل في الكيفية التي نختار بها توجيهه، فإن وضعناه في خدمة الإنسان، صار طاقة خلاّقة تبني وتطوّر وتفتح آفاقاً جديدة، وإن تركناه بلا ضوابط، قد يتحول إلى سلاح يهدد الخصوصية ويقصي فئات من المجتمع. وهنا تبرز مسؤولية مشروع Humain وسائر المشاريع المماثلة: أن تثبت للعالم أن بالإمكان الجمع بين الذكاء والرحمة، بين التقنية والأخلاق، بين الحاضر والمستقبل. فالعالم يتغير بسرعة، لكن السؤال الجوهري يظل ثابتاً: هل نستطيع أن نُبقي الإنسان في قلب كل هذه التحولات؟ إن مشروع Humain يجيب بوضوح: نعم، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون إنسانياً، إذا صيغ برؤية واعية، وبأيدٍ تعرف أن المستقبل لا يُنتظر، بل يُبنى.