شهدت مدينة بخارى، إحدى أعرق المدن الأوزبكية المدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو، انعقاد الدورة الأولى من "بينالي بخارى للفن المعاصر" التي انطلقت 5 سبتمبر المنصرم وتستمر حتى 20 أكتوبر الجاري. وتحولت المدينة، التي شكّلت عبر التاريخ محطة علمية وثقافية على طريق الحرير، إلى منصة عالمية تجمع أكثر من 200 فنان من 39 دولة لإعادة صياغة فضاءاتها التاريخية بروح معاصرة تفتح آفاق الحوار الثقافي عبر الفنون. وحمل البينالي شعار "وصفات للقلوب المتكسّرة"، وهو موضوع يتجاوز التجارب الفردية ليخاطب المشترك الإنساني، حيث قدّم الفنانون أعمالًا تعالج قضايا الحزن والتعافي بوسائط متعددة. وجاءت الأعمال مزيجًا من الحرف اليدوية التقليدية والفنون البصرية الحديثة، فكان الطعام والمنسوجات والفخار جزءًا من التجربة إلى جانب فنون التركيب و"الفيديو آرت". وتحولت المواقع التاريخية لبخارى التاريخية من مساجد وساحات وأسواق عتيقة إلى فضاءات عرض مفتوحة، حيث تمازج الحجر العريق مع الفنون المعاصرة في مشهد بصري فريد. وسط هذا الزخم الفني، برز الحضور السعودي من خلال مؤسسة "بينالي الدرعية" التي قدّمت العمل الفائز بجائزة المصلى، التصميم المبتكر الذي حمل عنوان "المصلى"، حيث جاء ثمرة تعاون بين إستوديو إيست للهندسة المعمارية وشركة AKT II والفنان ريان تابت. وقدّم رؤية معاصرة لمساحات الصلاة عبر هيكل معماري صُمم من بقايا النخيل، يمكن تفكيكه وإعادة تركيبه ليجسد فضاءً مرنًا يجمع بين البعد الروحي والجمالي. كان "المصلى" قد ظهر لأول مرة في بينالي الفنون الإسلامية بجدة 2025، ثم عُرض في بينالي البندقية للعمارة، ليصل اليوم إلى بخارى بدعم من شركتي أكوا باور ورؤية للاستثمار، ويمثل وجوده في بخارى بُعدًا رمزيًا خاصًا؛ إذ يربط بين جدة، بوابة الحرمين الشريفين، وبخارى، مركز العلم والدين على طريق الحرير، في حوار معماري معاصر يعزز قيم التلاقي والتجديد. وأكدت رئيسة مؤسسة تطوير الفنون والثقافة في أوزبكستان غايا عمروفا، أن استضافة البينالي في بخارى خطوة مهمة تعكس مكانة المدينة التاريخية والثقافية، وقالت: "بخارى مدينة تختزن ذاكرة الحضارة الإسلامية وكانت مركزًا للعلم والفنون منذ القرون الماضية، واليوم، من خلال البينالي، نمنح التراث بعدًا معاصرًا يلهم الأجيال الجديدة ويُسهم في بناء المستقبل". ويرسخ بينالي بخارى موقعه بصفته إحدى أبرز المنصات الثقافية في آسيا الوسطى، جامعًا بين الفنانين العالميين والحرفيين المحليين في مشهد واحد، مؤكدًا أن الثقافة قادرة على أن تكون جسرًا بين الشرق والغرب وأداة للتنمية والابتكار.