في هذه الزاوية سيأخذنا الكاتب والروائي والصحفي السعودي ياسر الغسلان، الذي عمل لسنوات في الصحافة والإعلام المرئي والمكتوب، وكتب مقالات وتحليلات في الصحافة السعودية والعربية تناولت قضايا الفكر والمجتمع والتحوّلات الثقافية في العالم العربي، ورفد المكتبة العربية بمؤلفات في الشأن الإعلامي والاجتماعي، وصدر له ثلاث روايات هي «الأمارجي»، و»تَزَه شا»، و»نمزكان»، إلى عوالم القراءة من خلال ما اطلع عليه مؤخراً، ويوصي القراء بقراءتها. «الإخوة كارامازوف» فيودور دوستويفسكي رواية لا تشبه أي عمل آخر، لأنها ليست مجرد حكاية عائلة، بالصراع كوني بين الإيمان والشك، بين العدالة الإلهية وحيرة العقل. دوستويفسكي يجعل القارئ شريكًا في بحثه عبر الإخوة الثلاثة، أليوشا الطاهر، وإيفان المفكر القلق، وديمتري الغريزي المتوتر، يصوغ الروائي الروسي العظيم صورة كاملة للنفس البشرية وهي تُبتلى بحرية الاختيار، ما يميز هذا العمل أنه لا يمنحك أجوبة، بل يضعك في قلب الأسئلة التي تحكم مصير الإنسان منذ الأزل، أسئلة من قبيل هل يمكن أن يكون الشر ضروريًا لوجود الخير؟ وهل الإيمان قوة أم ضعف؟ أرشح الرواية لأنها تمثل ذروة الأدب الإنساني في قدرته على النفاذ إلى أعماق الوعي، ولأنها تكشف عن الإنسان كما هو، مخلوق ممزق بين حاجته إلى المعنى ورغبته في التحرر منه. «العمى» خوزيه ساراماغو حين يقرر ساراماغو أن يصيب مدينةً بأكملها بالعمى، فإنه لا يكتب عن وباء، بل عن كشفٍ مفاجئ للحقيقة التي نخشى رؤيتها، تتحول المدينة في الرواية إلى مختبر أخلاقي تتعرّى فيه الإنسانية، وتسقط كل الأقنعة. بأسلوبه المتدفّق الذي يتجاوز الفواصل التقليدية ويمنح النص إيقاعًا متوتّرًا، يجعل القارئ يعيش التجربة كما لو أنه جزء من العمى الجماعي، في هذا العمل، يفقد الناس البصر لكنهم لا يفقدون القدرة على القسوة، بل ربما يكتشفونها أكثر. والمرأة الوحيدة التي لم تصب بالعمى تصبح رمزًا للبصيرة وللوعي القادر على أن يرى في الظلام، أرشحها لأنها تذكّرنا بأن الحضارة ليست سوى توازن هش بين الأخلاق والمصلحة، وأن الكارثة الكبرى ليست في أن يُطفأ النور، بل في أن نعتاد العتمة. «دراسة في سوسيولوجيا الإسلام» علي الوردي كتاب جريء في مقاربته، إنساني في روحه، وعميق في تحليله. لا يتحدث الدكتور علي الوردي عن الإسلام كمنظومة عقائدية، بل كظاهرة اجتماعية تشكّلت عبر التاريخ، متأثرة بالبيئة والصراع بين البداوة والحضارة. ما يميز طرحه أنه يخرج من دائرة الوعظ أو الدفاع إلى فضاء البحث العلمي القائم على الملاحظة والتحليل، أسلوب الوردي بسيط، لكنه يخترق الطبقات العميقة من التفكير الجمعي العربي والإسلامي، كاشفًا كيف تتداخل القيم الدينية مع العادات والتقاليد لتصنع وعينا وسلوكنا اليومي. الكتاب يفتح نافذة نادرة على فهم الذات من الداخل، ويعيد تعريف العلاقة بين الدين والمجتمع بعيدًا عن التقديس أو الإدانة. إنه كتاب يوقظ التفكير النقدي، ويذكّر بأن إصلاح الفكر يبدأ دائمًا من مراجعة الإنسان لنفسه. «المجتمع البشري في الأخلاق والسياسة» برتراند رَسِل في كتاب المجتمع البشري في الأخلاق والسياسة يقدّم الفيلسوف البريطاني برتراند رَسِل خلاصة فكره الفلسفي والإنساني حول العلاقة المعقّدة بين الضمير الفردي والنظام الاجتماعي، حيث يناقش كيف تتشكل الأخلاق في ظل السلطة، وكيف يمكن للسياسة أن تكون أداة للعدالة أو وسيلة للهيمنة. بأسلوبه الواضح والعميق يحلل رَسِل تطور القيم من الغريزة إلى العقل، ويطرح رؤيته لمجتمع يقوم على الحرية والعقلانية بدل الخوف والطاعة، الكتاب مهم ويعيد تعريف السياسة كمسؤولية أخلاقية لا كمسرح للمصالح، ويذكّرنا بأن ازدهار الإنسان يبدأ حين تتحرر الفضيلة من سلطة القوة. «المزحة» ميلان كونديرا يقدّم كونديرا واحدة من أكثر تأملاته قسوة وسخرية، الرواية تبدأ قصتها بمزحة يكتبها شاب، فتتحول هذه المزحة إلى مأساة تدمّر مستقبله وتكشف هشاشة الإنسان أمام الأيديولوجيا من خلال سرد متداخل الأصوات، يرسم الروائي التشيكي لوحة عن تشوّه العلاقات، حين تتغوّل الأنظمة وتحديداً النظام الشيوعي في سياق هذه الرواية على الحياة الخاصة، وحين يصبح الماضي عبئًا لا فكاك منه، الرواية ليست عن السياسة فقط، بل عن أثرها العميق في الروح، وعن الطريقة التي ينجو بها الإنسان أو ربما لا ينجو من جروح الزمان، الرواية تذكّرنا بأن أخطر ما قد نفعله هو أن نأخذ المزاح البريء على محمل الجد. ياسر الغسلان