قلما اليوم تشعر بدهشة امام كتاب قد يغريك بقراءته، لكن كتاب د. أمل التميمي الذي دشنته مؤخرا في سرد وبطله الذكاء الاصطناعي (فرانك) الذي تحاوره وتحكي سيرتهما في المترو الأحمر. كان له نكهة الدهشة وشغف التعرف لفكرة جديدة لم يتناولها أحد بعد. ياهذا المترو الذي صنع أنسنة عجيبة في عاصمة القلب المدينة التي اصبحت مثل نيويورك ولا أبالغ، الأبراج التي تتراقص أنوارها فتحدث بهجة بالغة في العابرين، المترو. الصديق الجديد للمدينة التي لا تنام والذي يهرول إلى محطاته السعوديون أكثر من المقيمين من جنسيات محتلفة، وما أبهج لحظاتك حين تراه في محطة كافد التي تشع أنوارها مثل كوكب دريّ في نسق هندسي بديع، ناهيك أنك تستطيع إلقاء نظرة شاملة من خلال جولة فيه لترى الرياض وأسطح المنازل التي تذكرك بشارع الأعشى وسجادة سعد فوق أسطح البيوت. استوقفني مقال د. صالح الغامدي حول كتاب د. أمل التميمي الذي يعد كما يقول سيرة ذاتية كانت سباقة فيها لمحاكاة الذكاء الاصطناعي وأضاف الغامدي: « بلغ الترقب الإبداعي السيرذاتي عند التميمي درجة غير مسبوقة فيما أعلم عندما كتبت يومياتها في مدينة الرياض بالمشاركة مع الذكاء الاصطناعي ممثلا في شخصية فرانك البريطاني التي اختلقتها التميمي بمساعدة برنامج جي بي تي. وهذه كما أظن طريقة غير مسبوقة في كتابة سيرذاتي تشاركي مع الآلة على الأقل في سياق الابداع السيرذاتي العربي» ورغم أنني من التقليديين جدا في مجال الكتابة وأصر على الطرق التقليدية في الحياة إلا انني ابتهجت بفكرة ابتكار هذا الحوار مع كائن اصبح شئنا ام أبينا جزء لا يتجزأ في تفاصيل يوميات كثر منا. الدكتورة أمل التي تعمقت في التحليل النفسي على يد ممارسين في الطب النفسي وحصلت على دورات فيه. ولم تكتف بالخبرة الحياتية والجانب الأدبي المحض بل كان شغفها في الأدب واهتمامها في السير الذاتية ممهورا بالبحث والدراسة وحب الغوص في النفس الإنسانية المعقدة لتصل بالقارئ أقصى ما تستطيع إلى الدهشة والنشوة وقراءة الشخوص بعمق. أنا أزعم أن الروائي والأديب هو طبيب نفسي بشكل أو بآخر وقد يكون طبيبا بارعا أو فاشلا في تحليل وتشريح النفوس التي يختلقها في رواياته؛ ود. أمل لا تبدع وحسب في الحياة وممارساتها اليومية في هذا الجانب الذي تعمقت به بالدراسة والبحث بل هي بارعة في أدواتها كأديبة وجدت لها موطئ قدم في عالم السير الذاتية. يوميات المترو الأحمر هي رحلة أدبية تنقلنا إلى أروقة مدينة الرياض الحديثة وهذا الكتاب توثيق أدبي معاصر لمرحلة فارقة في تاريخ المملكة يقوم على المزج الكتابي بين المنتوج البشري والصناعي في ثنائية استثمرت فيها الذكاء الاصطناعي كرفيق قد لا يكون من السهل الحصول عليه من البشر الذين تختلف أهواؤهم وقد لا تتفق أوقات رفقتهم. اعتزاز الكاتبة بالرؤية التي كان نتاجها المترو كإنجاز عظيم في المدينة التي يسكنها ثمانية ملايين من البشر على اختلاف ثقافاتهم، ثم تمكين المرأة ومساحة الحرية التي منحت لها لتعيش التجربة وتكتب عنها هي دلالات حية على التطور السريع الذي كان لثقافة المكان والإنسان دور عظيم فيه.