استرجع فضيلة الشيخ فهد بن يحيى العماري القاضي بمحكمة الاستئناف بمكةالمكرمة وعضو الإفتاء في المسجد الحرام صورا من حياة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ رحمه الله ومآثره وملامح من حياته العلمية والفقهية وقال الشيخ العماري كنت أراه في درس شيخنا ابن باز ، وكان حينئذ نائباً له ، كان مواظباً على درس الفجر يوم الخميس ، وقد درّسنا بالمعهد العالي للقضاء في الماجستير ، وكان محباً للتدريس ، مجتهداً في التحضير للدرس ، يراعي الطلبة كثيراً ، صادقاً في نصحه لهم وتعليمهم ، مفهماً لهم المسائل ، لا يضجر من أسئلتهم ومناقشاتهم ، سأله طالب في مسألة علمية محرجة فأجابه بأدب وحكمة وما نهره وزجره . وبين الشيخ العماري أن سماحته يرحمه الله لم يتخلف عن درسه في المعهد طيلة تدريسه لنا ، مواظباً على الدرس دخولاً وانصرافاً ، أداء الأمانة رسالة عظيمة. وذكر الشيخ العماري أنه تلقى رسالة على البريد من أحد موظفي مكتبه فيها طلب زيارة سماحة المفتي في بيته حيث قرأ عليه في كتابك ( التحفة ) فقلت في نفسي لعلي كتبت شيئا فيه مخالفة للإجماع أو المصلحة ونحوها ، فلما دخلت بيته في مكة وانتظرته فلما دخل علينا وجلس في مجلسه وسأل عني وقال أين فلان قالوا بجوارك.فقال قرأنا كتابك واستفدنا منه ...إلخ فقلت أنتم أهل العلم والإفادة ثم قال ماذا عندك من المسائل التي عرضت عليك وفيها غرابة فذكرت له شيئاً من ذلك فقال ماذا أجبتم ؟ فقلت العلم عندكم ومنكم نستفيد فقال لابأس نريد نسمع ونستفيد . ولخص العماري صورا من حياته رحمه الله منها سير من عبادته وقال أنه عرف بضبطه وإتقانه للقرآن ويختم كل ثلاثة أيام ، كما عرف بكثرة قيامه لليل وطول صلاته فيه، و بكثرة ذكره لله وتانيه في الذكر ، لا يستعجل في القيام بعد الصلاة ، وكان إذا انتهى من صلاة العشاء في مسجده دخل غرفته فيجلس يصلي قرابة الساعة ثم ينصرف إلى بيته . وعن عطاء الشيخ آل الشيخ العلمي قال العماري " درّس سماحته في الجامع والجامعة ، ملازماً للعلم والتعليم والبذل والعطاء لخدمة دينه وأمته وعرف سماحته ببلاغة كلامه وفصاحته مع كونه أعمى ، فهو خطيب مفوه لغة وأداء ، في خطبه ومحاضراته، فهو خطيب عرفةالبليغ منذ سنين ، وعرف بتعظيمه للدليل من الكتاب والسنة وسلف الأمة ويقدمها على المذهبية إذا كان الدليل أقوى وتأثره بالعلامة الإمام ابن باز كثيراً في كثير من حياته العلمية والعملية ، وكان يقول من يسد مكان ابن باز . وقال كثيراً ما يركز في علمه ودعوته على التمسك بالسنة والهدي النبوي والتوحيد والتحذير من الشرك والبدع بالحكمة وًيتسع صدره للخلاف السائغ ولا يتعصب لاختياراته وآرائه ، ولا يصارع ويرد على فلان وفلان ، فما عهد عنه الدخول في الخلافات المنهجية ولا العلمية ، همه العلم والتعليم . وكان محباً للكتب ومتابعة الجديد من البحوث والكتب ، فكنت إذا زرته يسأل عن جديد البحوث والكتب والمسائل التي تعرض في مكاتب الفتوى في الحرم ، ويطلب نسخة من كل بحث وكتاب ، ويرسل من يبلّغ شكره للمؤلف بعد قراءة الكتاب عليه أو يتصل به. وأضاف الشيخ العماري وكان ديدنه التواضع العلمي ؛ الورع في الفتوى ، وكثيراً ما يقول تحتاج المسألة مراجعة أو يسكت ويحوقل، واليوم شباب صغار لم يبلغ الثلاثين ونحوها يتصدى ويترأس ويخالف ويبدع ويفسق ويكفر ، غرور علمي قبيح تستهجنه الأسماع والقلوب والعقول . كما كان يرحمه الله وفياً للعلماء فقد حج عن عدد من العلماء الذين لم يحجوا كابن عبالبر وابن حزم وابن رجب . وعن أخلاقه ومنهجه يرحمه الله قال الشيخ العماري عرف سماحته بسلامة قلبه وعفة لسانه ومحبته للناس ، وخاصة الدعاة وطلاب العلم فلا أحد يذكر عنده في مجلسه بسوء ، وينهى عن الكلام في أهل العلم والدعاة، وكم سمعناه يحذر من ذلك ، ويدعو للائتلاف وجمع الكلمة وعدم الفرقة والخلاف. وكان يسأل عن طلاب المنح الدوليين في الجامعات ومعهد الحرم ، لأنهم سفراء العلم والدعوة .ولعلمه بأهميتهم في بلدانهم وأثرهم . كما عرف بتواضعه للناس ولطلابه ومحبيه يؤانسهم ويجالسهم ويمازحهم ، ويقبّل أحياناً يد من يستفيد منه من طلابه في العلم والمعرفة ، تواضع عملي رفيع ، وقد قبل ابن تيمية جبين ابن الوردي حينما أفاده في مسألة ، واليوم من الطلبة من يستنكف من تقبيل رأس شيخه لأنه نال مركزاً أو شهادة علمية، وكان يثني على أقرانه في العلم وبستمع لشروحهم ، وكان يقول لنا " إني أستمع لشروح الشيخ ابن عثيمين " ويثني عليه ، فما استنكف للاستفادة من زملائه وأقرانه والثناء عليهم . وكان يرسل زكاته لبعض القضاة في القرى لتوزع على المحتاجين .