كانت مناسباتنا واحةً من البساطة، حيث تتجمع الأرواح قبل أن تتجمع الأجساد، وتسبق الابتسامات الكلمات في رسم البهجة، أما اليوم فقد انزلقت مجتمعاتنا إلى سباق استعراضي وبذخ في الإنفاق من حفلات الزفاف إلى التخرج وأعياد الميلاد وحتى الترقيات، هذا البذخ لا يقتصر أثره على المظاهر فحسب، بل يضغط على ميزانيات الأسر ويدفع بعضها إلى الاستدانة، فيتحول الفرح إلى عبء اقتصادي يتغذى على ثقافة مجاراة المجتمع لا على حاجات الناس الحقيقية. ولا يتوقف العبء عند أصحاب الدعوة، بل يمتد إلى المدعوين الذين يجدون أنفسهم مجبرين على شراء هدايا في كل مناسبة، حتى غدت هذه العادة واجباً ثقيلاً يرهق ميزانياتهم على مدار العام، وهكذا فقدت الاحتفالات عفويتها الأولى، وأصبحت أقرب إلى استعراض اجتماعي يُقاس بعدد الكاميرات والأضواء لا بعدد الابتسامات الصادقة. ومما فاقم الظاهرة ذلك التأثر المتزايد بالمشاهير، إذ يتابع الناس حفلاتهم المترفة ومظاهرهم الباذخة، فيسعون لتقليدها ولو على حساب أوضاعهم المادية، صار كثيرون يعتقدون أن ما يفعله هؤلاء هو المعيار الحقيقي للفرح والوجاهة، فيضغطون على أنفسهم لإعادة إنتاج مشاهد لا تتناسب مع إمكاناتهم، لتتضاعف الأعباء وتزداد الفجوة بين الواقع والتظاهر. الأخطر أن ينشأ جيل جديد وهو يظن أن الفرح لا يكتمل إلا بديكور فاخر وضيافة مفرطة وهدايا باهظة، ناسياً أن أجمل الذكريات تُصنع في لحظات البساطة، وأن القيمة الحقيقية للمناسبة تكمن في صدق مشاعرها لا في مظاهرها، ومع تكرار هذه المناسبات تتحول من فرصة للبهجة إلى عبء مادي ومعنوي يستنزف الجيوب ويترك خلفه التزامات لا تُمحى بسهولة، الفرح لا يُشترى بالمال، والمبالغة لا تضيف قيمة للمناسبة بل تسرق منها معناها، فالمظاهر تزول سريعاً مع انتهاء الحفل، بينما يبقى في الذاكرة دفء القلوب الصافية لا فخامة القاعات المزخرفة.