يتكون ثالوث الفعل الإنساني الحقيقي من إنسان ومكان وزمان، وهكذا نشأت البشرية وسجلت تاريخها عبر العصور المختلفة، ولكن ثورة الاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعي قامت بتحييد عنصري المكان والزمان ليبقى الإنسان، أو فلنقل صورته تعمل في فضاء جامد وغير حقيقي وهو ما نسميه العالم الموازي والعالم الافتراضي. يخلط مع الأسف الكثير من الناس بين العالم الحقيقي والعالم الافتراضي لا سيما من مستهلكي وسائل التواصل الاجتماعي الذين يقضون الكثير من الوقت في ملاحقة "مشاهيرها" من وسيلة لأخرى. فالكرم الذي نراه في العالم الافتراضي ليس هو الكرم الحقيقي الذي تربينا عليه بقيمه المختلفة المرتبطة به، بل أصبح هذا الكرم متصنعا جدا ولم يأتِ من أجل تحقيق قيمة الكرم، بل جاء مرتبطاً بالصورة وشهوة البروز الاجتماعي ما أفقد هذا الكرم قيمته، كان التركيز على الضيف وهو يأكل أمرا مذموما من أجل أن يأكل بحرية وبعيدا عن الإحراج، واليوم يتم تصوير الضيف أثناء قدومه، وسلامه، وأكله، وشربه.. فأصبح هذا الضيف مادة تستخدم من أجل إشباع رغبة مضيفه في البروز. والوضع الاقتصادي الذي نراه في العالم الافتراضي هو الآخر ليس حقيقياً، فالثري الحقيقي لا يتغنى بممتلكاته، بل نجد الكثير منهم متواضعاً يعيش في اتزان اجتماعي واقتصادي، أما مدعي الثراء فنجدهم يتسابقون على إبراز بعض المظاهر الاقتصادية الخادعة، فقد تكون السيارة إيجاراً، والطائرة الخاصة صورة فقط، والقصر وهماً، وهدية الزوجة المليونية لا حقيقة لها، ويقاس على هذا الأمر أغلب المظاهر التي نراها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.. والمشكلة أن البعض يتمنى حياة هؤلاء المشاهير غير الحقيقية ما يتسبب لهم في الكثير من المتاعب، ولآبائهم ومن يقومون بإعالتهم، ما يهدد استقرار الأسر واستمرارها. ومن هنا توجب علينا جميعا نشر الوعي أن الحيوات المختلفة التي نراها في العالم الافتراضي ما هي إلا "عيش في الوهم" ولا حقيقة لها، فلا تعدو كونها حيوات مصطنعة من قبل هؤلاء المشاهير من أجل تحقيق القبول الاجتماعي، أو من أجل تحقيق أهداف الوكالات التي تقف وراءهم، فلنعد نحن وأسرنا إلى عالمنا الحقيقي الذي نعيش فيه والاستمتاع بحياتنا الطبيعية.