في عالم يُفترض أن تكون فيه المستشفيات ملاذًا للمرضى، وأن تكون أقسام الطوارئ خط الدفاع الأول لحماية الأرواح، نصطدم أحيانًا بواقعٍ مؤلم يجعلنا نتساءل، هل تحولت بعض المستشفيات الخاصة إلى مشروعات تجارية بحتة، تقدّم الخدمات الصحية بناءً على القدرة المالية فقط، لا على أساس الاحتياج الإنساني الملحّ؟ وهل أصبحت الطوارئ محطة للموت البطيء بدلًا من أن تكون بابًا للنجاة؟ من حيث المبدأ، تُعد أقسام الطوارئ قلب النظام الصحي، إذ يُفترض أن تكون مكاناً تُنسى فيه الحسابات، وتتقدّم فيه أولوية إنقاذ الأرواح على أي اعتبار آخر، سواء كان إداريًا أو ماليًا. ولكن، ما يحدث في بعض المستشفيات الخاصة للأسف يناقض هذا المبدأ تمامًا، وأصبحت حياة الإنسان مرهونة بتوقيع، أو بتحويل مالي، أو بمزاج موظف استقبال، أو مدير مناوب متهاون. من المؤلم أن أقول إنني كنت أحد أولئك الذين مرّوا بتجربة سيئة في قسم الطوارئ في أحد المستشفيات الخاصة المعروفة، ويدّعي حصوله على جائزة أفضل تجربة مريض، وصلت إلى الطوارئ ووالدي لديه ضيق في التنفس الحاد نتيجة انسداد الصمام الأورطي، وهو في حالة صحية حرجة، وكان من الطبيعي أن يتلقى العناية الفورية بمجرد وصول الإسعاف بوابة الطوارئ، لكن ذلك لم يحدث وللأسف. بدلًا من التعامل مع الحالة وبشكل عاجل، وُوجِهت بأسئلة عن التأمين الطبي، وبطاقة الهوية الوطنية، والضمان المالي، لم يسألني أحد عن الأعراض أو مدى خطورة وضعه الصحي. بقيت أنتظر في ممر الطوارئ، فيما كان العاملون منشغلين بإجراءات ورقية لا معنى لها في مثل تلك اللحظة الحرجة. كان الإهمال واضحًا، والتأخير غير مبرراً، والأسوأ من ذلك، هو غياب الحس الإنساني لدى بعض أفراد الطاقم الطبي، وكأن المريض سلعة تُفحص حالته بعد التأكد من "تغطية التأمين" فقط. المفارقة أن هذه التجربة تحدث ونحن نعيش في ظل رؤية المملكة 2030، التي تُعلي من شأن القطاع الصحي، وتضع "تحسين جودة الحياة" و"ضمان الرعاية الصحية الفعالة" في صميم أهدافها، فهل يُعقل أن تُترك مستشفيات خاصة تُقوّض هذه الرؤية، وتُعيدنا خطوات إلى الوراء في سبيل الربح؟ أرى أنه لا بد من وجود رقابة صارمة على المستشفيات الخاصة، وخاصة أقسام الطوارئ فيها، ويجب ضمان تقديم الخدمة الطبية أولًا، وتأجيل أي إجراءات مالية إلى ما بعد الاستقرار الصحي، وأن يتم تدريب الكوادر الطبية على التعامل الإنساني والتعاطف المهني، كما ولا بد من تفعيل قنوات شكاوى فعّالة وسريعة، يُحاسب من خلالها كل من يُقصّر في أداء واجبه. قسم الطوارئ ليس مكانًا للانتظار أو المحاسبة، بل هو خط الحياة الأخير للمريض وإنقاذ الأرواح، يجب أن يكون أولوية مطلقة، لا خيارًا مشروطًا. أ. د. محمد بن عبدالله العضاضي