"تعد الكوارث والفظائع التي ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي سبباً رئيساً ومباشراً فيما تشهده منطقة الشرق الأوسط حالياً من اضطراب واسع وعدم استقرار، فما بين حرب الإبادة الجارية دون توقف في قطاع غزة إلى الضربات الإسرائيلية المتلاحقة على كل من لبنان وسورية واليمن دون حسيب أو رقيب". "يرى مراقبون أن كل هذه الحماقات التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية بالمنطقة والحرب الطويلة في غزة وارتكاب إبادة واسعة النطاق لن تمنح إسرائيل انتصاراً مستداماً كما تظن، ولكنها تستنزفها وتشوّه صورتها وتحولها إلى دولة منبوذة على الساحة الدولية". تعد الكوارث والفظائع التي ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي سبباً رئيساً ومباشراً فيما تشهده منطقة الشرق الأوسط حالياً من اضطراب واسع وعدم استقرار، فما بين حرب الإبادة الجارية دون توقف في قطاع غزة إلى الضربات الإسرائيلية المتلاحقة على كل من لبنان وسورية دون حسيب أو رقيب ثم أخيراً قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باحتلال قطاع غزة وإعلانه البدء في تنفيذ هذا القرار قبل أيام وقبلها حرب الاثني عشر يوماً على إيران في كل ذلك يذهب نتنياهو بالمنطقة إلى مرحلة اللا عودة في تعامله مع هذه الملفات بما يضر بإسرائيل نفسها أكثر مما يفيدها، موظفاً كل ذلك لخدمة بقائه السياسي. ويرى مراقبون أن كل هذه الحماقات التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية بالمنطقة والحرب الطويلة في غزة وارتكاب إبادة واسعة النطاق لن تمنح إسرائيل انتصاراً مستداماً كما تظن، ولكنها تستنزفها وتشوّه صورتها وتحولها إلى دولة منبوذة على الساحة الدولية حتى إن أصواتاً بارزة في الكونغرس الأميركي ليست من الديمقراطيين فقط بل ومن الجمهوريين أيضاً بدأت تطالب بوقف إرسال السلاح لإسرائيل في تحول نوعي لم تشهده الساحة الأميركية منذ عقود وإن كان هذا لا يمنع الالتزام المطلق من أميركا بدعم إسرائيل، وما يدفعهم لذلك هو الخوف على دولة إسرائيل من الإضرار بنفسها واحتمال الانجرار إلى حرب عصابات طويلة الأمد والكلفة البشرية الكبيرة وما سيترتب على احتلال غزة من مسؤوليات قانونية كقوة احتلال تجاه أكثر من مليوني فلسطيني في غزة، بل تعدى الأمر ذلك إلى أن بعض الأصوات اليهودية الليبرالية نفسها صارت تدعو إلى إنقاذ إسرائيل من نفسها، مرتئية أن سياسات نتنياهو تقودها إلى تدمير ذاتي. شركاء في الإبادة الجماعية وفي هذا الإطار يقول الكاتب الأميركي كريس هيدجيز إن إسرائيل تدمر نفسها بلا رجعة وإن ما تفعله بغزة من تدمير لا يتعلق فقط بالتطهير العرقي، بل بمحو شعب وثقافة وتاريخ وهو ما يكشف الأكاذيب التي استخدمت لتبرير قيام دولة إسرائيل، معتبراً أن جو بايدن ودونالد ترمب وقادة أوروبيين شركاء رئيسيون في الإبادة الجماعية بغزة وأنهم يكتفون بالتعبير عن الذهول والحزن أو عدم الرضا عن المذابح الإسرائيلية ليزعموا لاحقاً أنهم كانوا يقفون في الجانب الصحيح من التاريخ. والمؤكد أن نتنياهو لم يكن ليتحرك في كل هذا الفضاء بهذه الأريحية ضارباً بكل القوانين والأعراف الدولية والغضب العالمي عرض الحائط لولا ما أعلنه هو صراحةً أمام الكنيست من أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب هو من أبلغه بدعمه الكامل لإنهاء الحرب بالقوة الكاملة، ودعاه إلى تجاهل أي صفقات جزئية والمضي قدماً نحو الحسم العسكري، ما اعتبره نتنياهو عنصراً حاسماً في استمرار العمليات الإسرائيلية بلا قيود ودون أن يأبه لتأثيرات ذلك على المنطقة بأثرها، غير أن ترمب خرج بعدها بتصريحات يمكن وصفها بالمتناقضة مع حديث نتنياهو، إذ أكد أن استمرار هذه العمليات العسكرية يلطخ سمعة إسرائيل ويضعف مكانتها داخل الكونغرس وعلى الساحة الدولية. والحاصل أن نتنياهو فيما بدا أكثر تساهلاً ومرونة في التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب مع "حزب الله" في الشمال رغم أن الحزب مع تلقيه ضربات قاسية لا يزال يحتفظ ببنيته وقدرته على تهديد إسرائيل إلا أن نتنياهو يرفض الأمر نفسه فيما يتعلق بقطاع غزة غير آبه للضغوط الداخلية والدولية، حتى إنه رفض العديد من الصفقات الجزئية لاسترداد الأسرى الإسرائيليين بالقطاع، والواقع يبرهن على أن نتنياهو بات أسيراً لتطلعات اليمين المتطرف في حكومته ورغبتهم في بناء المستوطنات في القطاع خاصة في جزئه الشمالي، ومن أجل استمرار هذه الحرب لا ينفك نتنياهو يردد أن الضغط العسكري هو السبيل الوحيد لتحرير الأسرى. إن قرار احتلال القطاع بعد أكثر من سنتين من الإبادة وتسوية القطاع بالأرض رغم استحالة إخلاء المدينة بطريقة آمنة وفقاً لتأكيدات الصليب الأحمر الدولي يمثل جنوناً محضاً من نتنياهو وترمب ومن خلفهما اليمين المتطرف الذي يقود دفة الأمور بكل من أميركا وإسرائيل الآن، فلا صوت عاقلا في إدارتيهما يوقف هذا التفكير الجنوني ولا آلة القتل الوحشية التي لن تتوقف عند حساباتهما كما يظنان، وهو ما يدركه الجميع من قادة المنطقة العربية وكذلك القادة الغربيون سواهما. تهديد الأمن والسلم إقليمياً وعالمياً وقد نددت المملكة رسمياً ومن خلال خارجيتها بأقوى وأشد العبارات بقرار سلطات الاحتلال الإسرائيلية احتلال قطاع غزة، كما أدانت إمعان إسرائيل في ارتكاب جرائم التجويع والممارسات الوحشية والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني، لافتةً إلى أن هذه القرارات اللا إنسانية التي تتبناها سلطات الاحتلال دون رادع لا تستوعب الارتباط الوجداني والتاريخي والقانوني للشعب الفلسطيني بأرضه، محذرة من أن استمرار عجز المجتمع الدولي ومجلس الأمن عن وقف الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية يقوض أسس النظام الدولي والشرعية الدولية ويهدد الأمن والسلم إقليمياً وعالمياً، وينذر بعواقب وخيمة تشجع ممارسات الإبادة الجماعية والتهجير القسري. وعلى الرغم مما أحدثته الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والفظائع التي ارتكبتها إسرائيل من تأثيرات كبيرة لم تقتصر على المحيط العربي فقط بل شملت أنحاء متفرقة من العالم بأكمله، إذ كشفت للغرب أنفسهم ازدواجية معاييرهم الديمقراطية وفاقمت حدة الانقسام داخل المجتمعات الغربية ذاتها وأعادت حرب السرديات إلى السطح من جديد وحطمت نظرة الردع الاستراتيجي التي تتبناها إسرائيل في مواجهة محيطها، وباتت دولة إسرائيل دولة منبوذة على المستوى الشعبي عالمياً وإن كان الوضع غير كذلك على مستوى الحكومات، واحتلت القضية الفلسطينية التي ظن الجميع أنها وُئدت وصارت طي النسيان واجهة المشهد من جديد وغيرت مفاهيم فئات عدة بالغرب أبرزهم فئة الشباب وهو ما ستتجلى تأثيراته مستقبلاً، غير أن كل ذلك لم يكن كافياً لإثناء نتنياهو عن حرب الوجود التي يشنها على القطاع والتي يتبدى أنها بالنسبة له مسألة حياة أو موت ويتوقف عليها مصيره السياسي. ومع كل التحركات العربية والغربية الساعية لوقف آلة الحرب بالمنطقة وكان آخرها مؤتمر حل الدولتين الذي نظمته المملكة العربية السعودية وترأسته مع دولة فرنسا وكذلك مقترح وقف إطلاق النار الذي تقدمت به كل من دولتي مصر وقطر الشقيقتين وكذلك تلميح وتصريح العديد من الدول الأوروبية إلى الاعتراف بدولة فلسطين رسمياً ومنها دول حليفة لإسرائيل إلا أن كل ذلك لم يلق أذناً صاغية من نتنياهو الذي يعلم أنه يخوض هذه الحرب من موقف قوة عبر الدعم الأميركي غير المشروط وعدم يأس ترمب من تنفيذ خططه بشأن غزة و"الاستيلاء" على القطاع. تحديات كبيرة والتساؤل الآن هل من معالم تلوح في الأفق لعملية تسوية سلمية في غزة تتوقف بها الحرب ويلتقط الفلسطينيون بها أنفاسهم، خاصةً مع الانقسام الذي يشهده الشارع الإسرائيلي والتظاهرات التي يقودها أهالي الأسرى وتتضامن معها بدرجة كبيرة المعارضة الإسرائيلية ورغبة فريق منهم في التوصل إلى تسوية لوقف الحرب واسترداد الاسرى كما تشير إلى ذلك العديد من استطلاعات الرأي الإسرائيلية؟ باعتقادي أن هناك تحديات كبيرة تحول دون الوصول إلى حل شامل ووقف دائم لإطلاق النار في غزة على الرغم من الجهود العربية لتحقيق ذلك، حيث تتضاءل فرص تحقيق هذه التسوية مع تفضيل بنيامين نتنياهو والحكومة الإسرائيلية المسار العسكري والاتجاه للتصعيد باحتلال كامل القطاع، لأن غير ذلك سيعد بمثابة إعلان هزيمة لدولة إسرائيل وتحطم نظرية الردع الإقليمي وإنهاء مسيرة نتنياهو السياسية بالكلية، هذا فضلاً عن ضغوط أحزاب اليمين في ائتلافه الحكومي - الموصوف بأنه الأكثر تطرفاً في التاريخ - التي ترفض أي اتفاق لا يؤدي إلى استسلام الفصائل وتحقيق النصر الكامل، كما أن ضغط المجتمع الغربي على إسرائيل يبدو وكأنه لذر الرماد في العيون وتأدية واجب أخلاقي أمام شعوبهم وليس ضغطاً حقيقياً مؤثراً في تحجيم السعار الإسرائيلي، لكن في مقابل ذلك يظل صمود الشعب الفلسطيني في وجه الإبادة وحرب التجويع وجهود المملكة العربية السعودية وضغطها السياسي والموقف العربي الموحد تجاه تهجير الفلسطينيين من أرضهم واستمرار ممارسة الضغط السياسي عالمياً مع التصريحات الأخيرة لرئيس الولاياتالمتحدة دونالد ترمب عوامل مؤثرة قد تغير المعادلة. * أستاذ زائر بكلية الزراعة وعلوم الحياة والبيئة، قسم الهندسة الزراعية والنظم البيولوجية بجامعة أريزونا، توسان، أريزونا، الولاياتالمتحدة، ومستشار في كلية العلوم الزراعية والغذائية في الجامعة الأميركية في بيروتبلبنان. نتنياهو يصر على تدمير غزة ولا يهمه مصير الرهائن الإسرائيليين تحليل - د. تركي فيصل الرشيد *