لم يكن خبر إعلان شركة روبلوكس التزامها باشتراطات الهيئة العامة لتنظيم الإعلام في السعودية مجرد اتفاق عابر بين جهة تنظيمية ومنصة ألعاب عالمية، بل كان مشهداً يلخص كيف يمكن للرأي العام، حين يعبّر عن مخاوفه بوضوح، أن يدفع نحو تغيير فعلي في سياسات واحدة من أكبر منصات الألعاب الإلكترونية في العالم. "الرياض" بدورها بدأت نقاشًا مجتمعيًا أخذ يتسع على منصات التواصل الاجتماعي، فقبل أسابيع، طرحت سؤالاً مباشراً لمتابعيها على منصة X: "ماهي الألعاب الإلكترونية التي ترى أنها أشد ضرراً على الأطفال، وترى ضرورة حجبها؟" السؤال بدا عادياً للوهلة الأولى، لكنه فجّر نقاشاً واسعاً جمع أكثر من 98 تعليقاً وتخطت مشاهداته 49 ألفاً، كاشفاً حجم القلق الشعبي من التأثيرات السلبية للألعاب الإلكترونية. https://x.com/alriyadh/status/1962930506409873556?s=61 صوت الناس: روبلوكس أولاً وتحليل الردود أظهر توافقاً لافتاً: روبلوكس كانت الاسم الأكثر تداولاً حيث أشار إليها ما يزيد عن 15 تعليقاً صريحاً، إذ اتهمها الآباء والمستخدمون بأنها تشكل خطراً يتجاوز حدود الترفيه، والسبب في طبيعتها الاجتماعية المفتوحة التي تسمح للأطفال بالتواصل مع غرباء في عوالم غير خاضعة للرقابة، ما يفتح الباب أمام مخاطر الاستغلال الجنسي والمحتوى المسيء،، وكتب أحد المعلقين: "روبلوكس أخطر من غيرها لأنها تسمح ببناء عوالم غير مراقبة قد تحتوي على محتوى مسيء. حجبها يحمي الأطفال من التهديدات الرقمية." لكن القائمة لم تتوقف عند روبلوكس؛ ببجي حصدت جملة من الإشارات المرتبطة بالترويج للعنف والإدمان، فيما حمّل آخرون فورتنايت مسؤولية نشر ثقافة القتال وإضاعة الوقت، كول أوف ديوتي ذُكرت كمرادف للحرب والكوابيس النفسية، بينما اتُهمت جراند ثفت أوتو بأنها "مدرسة في الجريمة والإباحية لا تصلح لأي عمر" حتى الألعاب الأقل إثارة للجدل مثل ماين كرافت وفري فاير ظهرت في النقاش، مع تحذيرات من مخاطرها إذا غابت الرقابة الأبوية. الاستجابة الرسمية: من النقاش إلى الفعل الهيئة العامة لتنظيم الإعلام لم تتجاهل هذه الأصوات، وبعد مفاوضات مطوّلة مع الشركة، خرج الإعلان: حجب أكثر من 300 ألف لعبة مصغّرة داخل روبلوكس تقع ضمن فئة "التجمعات الاجتماعية"، وتعطيل مؤقت لميزات المحادثة الصوتية والكتابية حتى تطوير أنظمة مراقبة أكثر فاعلية باللغة العربية. ولم تكتفِ الهيئة بالحجب، بل شددت على بناء شراكة استراتيجية مع المنصة نفسها لضمان توافق الألعاب مع ثقافة المجتمع السعودي وحماية هوية الأجيال، بيان روبلوكس بدوره حاول طمأنة المستخدمين، مؤكداً أن الهدف هو "بناء منصة تخدم احتياجات وثقافة مجتمع اللاعبين والمبدعين في المملكة، مع دعم تنمية المهارات والتعليم واقتصاد المبدعين." ما وراء الأرقام الأهم من الاتفاق ذاته هو الرسالة التي حملها: أن المملكة، في زمن التحولات الرقمية الكبرى، لا تنظر إلى الألعاب الإلكترونية باعتبارها مجرد مناخ ترفيهي، بل كقضية أمن اجتماعي وثقافي ونفسي، وهي بذلك توازن بين تشجيع الإبداع الرقمي وحماية أبنائها من الانزلاق نحو مسارات خطرة. وكما عكست تعليقات المشاركين، فإن المخاوف الحقيقية لا تنحصر في لعبة واحدة أو اثنتين، بل في منظومة كاملة تحتاج إلى وعي أسري، وتنظيم حكومي، وتعاون شركاتي... "روبلوكس" كانت البداية، لكن المعركة مع "الألعاب الضارة" مستمرة، ورقابة المجتمع تظل عنصراً لا يقل أهمية عن قرارات الجهات الرسمية.