الصمت الدائم الذي أظهرته المُنظمات الحقوقية الأهلية الغربية تجاه حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المُحتلة، وعدم إدانتها لجرائم الإبادة الجماعية التي تُمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلية، يُؤكد أنها أدوات سياسية قائمة لخدمة الأطراف المُنشئة والممولة لها.. وأن المصلحة هي التي تُسيّر أعمالها، وليست القيم التي تدّعيها والشعارات التي ترفعها.. للدفاع عن حقوق الإنسان في غزة بشكل خاص، وعن حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة بشكل عام، صدرت المئات من التقارير الرسمية عن هيئة الأممالمتحدة ووكالاتها المتعددة، وكذلك عن جميع الدول العربية والإسلامية الملتزمة بالميثاق العالمي لحقوق الانسان، معبرةً صراحةً عن انتهاكات جسمية وجرائم عظيمة تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلية مُنذُ سيطرتها على هذه الأراضي في يونيو 1967م، ومؤكدة بشكل مباشر عن جرائم إبادة جماعية تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلية تجاه أبناء فلسطين مُنذُ 7 أكتوبر 2023م. ومن هذه التقارير المؤكدة على جرائم الإبادة الجماعية التي تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلية، التقرير الذي أشار إليه المفوض السامي لحقوق الانسان في الأممالمتحدة في 22 أغسطس 2025م والذي جاء فيه، الآتي: قال "المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك: إن المجاعة التي أعلن عنها اليوم التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) في محافظة غزة نتيجةٌ مباشرة للأفعال التي قامت بها الحكومة الإسرائيلية. فقد فرضت قيوداً غير قانونية على دخول وتوزيع المساعدات الإنسانية وغيرها من السلع الأساسية اللازمة لبقاء السكان المدنيين في قطاع غزة على قيد الحياة. لقد شهدنا حالات وفاة ناجمة عن التجويع وسوء التغذية في مختلف أنحاء القطاع. إذ دمرت القوات الإسرائيلية البنية التحتية المدنية الحيوية، وكل الأراضي الزراعية تقريباً، ومنعت الصيد، وهجّرت السكان قسراً - وكلها عوامل أدت إلى هذه المجاعة. إن استخدام التجويع كوسيلة حرب هو جريمة حرب، وقد تُشكّل الوفيات الناتجة عنه أيضاً جريمة حرب هي القتلُ العمد. على السلطات الإسرائيلية اتخاذ خطوات فورية لإنهاء المجاعة في محافظة غزة ومنع المزيد من فقدان الأرواح في مختلف أنحاء القطاع. ويجب عليها ضمان دخول المساعدات الإنسانية فوراً وبكميات كافية، وتأمين الوصول الكامل للأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى". وبالإضافة إلى هذه الإشارة الرسمية من المفوض السامي لحقوق الانسان في الأممالمتحدة المُؤكدة على الحال البائسة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المُحتلة، أكدت الأخبار المعروضة على الموقع الرسمي للأمم المتحدة عن الانعدام التام لجميع معايير حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، ومن ذلك الخبر الوارد في 26 أغسطس 2025م والذي جاء فيه، الآتي: "قالت مفوضية الأممالمتحدة السامية لحقوق الإنسان إن مقتل الصحفيين في غزة ينبغي أن يصدم العالم ويدفعه إلى التحرك من أجل المطالبة بالمساءلة والعدالة، وليس إلى صمت مذهول." وكذلك الخبر الوارد في 27 أغسطس 2025م، والذي جاء فيه، الآتي: "أمام مجلس الأمن، قال مسؤول أممي رفيع المستوى إن الوضع في الأرض الفلسطينيةالمحتلة يستمر في التدهور إلى مستويات لم تُر في التاريخ الحديث. وأكد أهمية إعادة الالتزام بعملية سياسية تنهي الاحتلال وتحقق حل الدولتين." وأيضاً الخبر الوارد في 29 أغسطس 2025م، والذي جاء فيه، الآتي: "أبدت الأممالمتحدة قلقا من أن الهجوم الإسرائيلي على مدينة غزة قد يكون له "تأثير مروع" على السكان في جميع أنحاء القطاع في حال تصاعده. ونبهت إلى أن الإعلان الإسرائيلي بوقف التوقفات التكتيكية اليومية في مدينة غزة -وهي منطقة تصنفها إسرائيل الآن على أنها "منطقة قتال خطيرة"- سيفاقم التهديد لحياة السكان وقدرة عمال الإغاثة على دعمهم". وأمام هذه الحالة المأساوية التي انعدمت فيها جميع معايير حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة بسبب جرائم الإبادة الجماعية التي تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلية، اختفت تماماً الأصوات الصَّادرة عن مُنظمات حقوق الإنسان الغربية عن إدانة الجرائم الإسرائيلية، وتجاهلت تماماً التقارير الصَّادرة عنها التجاوزات العظيمة التي تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلية تجاه جميع معايير حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة. نعم، فأمام جرائم الإبادة الجماعية التي تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلية تجاه الفلسطينين، ترقب الرأي العام الإقليمي والدولي تصدُّر المُنظمات الحقوقية الأهلية الغربية المشهد الحقوقي، والمشهد الإعلامي، والمشهد الإنساني، والمشهد الاجتماعي، وغيرها من مجالات، للتعبير بأصوات عالية عن التجاوزات العظيمة في مسائل حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، ولتوجيه الاتهامات المُباشرة لقوات الاحتلال الإسرائيلية، ولمُطالبة المُجتمع الدولي بمُحاسبة ومُعاقبة المسؤولين السياسيين والعسكريين والأمنيين في إسرائيل، ولتعبئة الرأي العام الإقليمي والدولي لفضح الممارسات الإجرامية والتجاوزات العظيمة التي تمارسها إسرائيل تجاه حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المُحتلة. إلا أن هذا الترقب، وذلك الانتظار، الذي اعتاده، تجاه الدول العربية والإسلامية، من المُنظمات الحقوقية الأهلية الغربية لم يجده مُتحققاً تجاه إسرائيل ومسؤوليها السياسيين والعسكريين والأمنيين. نعم، لقد غابت تماماً جميع المُنظمات الحقوقية الأهلية الغربية، على اختلاف مستوياتها ومسمياتها، عن إدانة جرائم الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل تجاه أبناء فلسطين في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة. وإذا افترضنا أن هذه المُنظمات الحقوقية الأهلية الغربية لم تُشاهد جرائم الإبادة الجماعية في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، أو أنها لم تعرف الطرف المُتسبب بجرائم الحرب في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، أو أنها لم ترد أن تتسبب بأذى إعلامي وسياسي واجتماعي وأمني لقوات الاحتلال الإسرائيلية، أو أنها لم تشأ أن تفقد علاقاتها المُتميزة سياسياً أو مادياً أو إعلامياً مع المسؤوليين الإسرائيليين على اختلاف مستوياتهم، فإن هناك اتجاهات أخرى يُمكن لهذه المُنظمات الحقوقية الأهلية الغربية أن تُثبت من خلالها أنها فعلاً مع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المُحتلة، ومن تلك الاتجاهات الدفاع عن حق المُمثلين الرسميين لأبناء فلسطين بالمشاركة في الاجتماعات السنوية بالجمعية العامة للأمم المتحدة. نعم، فبعد أن صدر قرار وزارة الخارجية الأميركية، بحسب موقعها في 29 أغسطس 2025م، الذي تضمن، الآتي: "وفقًا للقانون الأميركي، يرفض وزير الخارجية ماركو روبيو منح تأشيرات دخول لأعضاء منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، ويقوم بإلغاء تأشيراتهم قبيل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقد أوضحت إدارة ترمب أنه من مصلحة أمننا القومي محاسبة منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية على عدم الوفاء بالتزاماتهما، وتقويض آفاق السلام. ويجب على السلطة الفلسطينية أيضًا أن تُنهي محاولاتها لتجاوز المفاوضات عبر حملات الحرب القانونية الدولية، بما في ذلك اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، وجهودها الرامية إلى ضمان اعتراف أحادي الجانب بدولة فلسطينية مُفترضة،" ترقب الرأي العام الإقليمي والدولي، مُجدداً، أن تُبادر المُنظمات الحقوقية الأهلية الغربية بإدانة مُباشرة لقرار وزارة الخارجية الأميركية الرافض لمنح مسؤولي السلطة الفلسطينية تأشيرات دخول للأراضي الأميركية لكيلا يتمكنوا من المشاركة وتمثيل أبناء فلسطين بالاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أن هذا الترقب، وذلك الانتظار، لم يُنتج إلا صمتاً عظيماً تجاوزت من خلاله هذه المنظمات الحقوقية الأهلية الغربية جميع القيم والشعارات التي كانت ترفعها وتدعي العمل بها على امتداد العقود الماضية. وفي مقابل هذه النتائج السلبية المقيتة التي تميزت بها المنظمات الحقوقية الأهلية الغربية تجاه حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المُحتلة، ارتفعت الأصوات الحقيقية المُناصرة لحقوق الإنسان من جميع الدول العربية والإسلامية عبر بيانها الصَّادر الذي بثته وسائل الاعلام العالمية ومنها (واس) في 30 أغسطس 2025م، والذي جاء فيه، الآتي: "أعربت اللجنة الوزارية العربية - الإسلامية بشأن غزة عن أسفها العميق إزاء قرار وزارة الخارجية الأميركية بعدم منح تأشيرات الدخول لوفد دولة فلسطين المشارك في أعمال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة المزمع عقدها في نيويورك خلال شهر سبتمبر المقبل. ودعت اللجنة في بيان لها الإدارة الأميركية إلى إعادة النظر في هذا القرار والتراجع عنه، مؤكدة أهمية احترام الالتزامات بموجب اتفاقية مقر الأممالمتحدة، وإتاحة الفرصة للحوار والدبلوماسية، والبناء على المواقف الإيجابية للسلطة الوطنية الفلسطينية والتزامها الراسخ بخيار السلام الإستراتيجي. وشددت على ضرورة دعم السلطة الوطنية الفلسطينية وفخامة الرئيس محمود عباس في المضي قدمًا ببرنامج الحكومة الإصلاحي والالتزامات التي جدد التأكيد عليها أمام قادة الدول دعمًا للسلام ومواجهة العنف والتطرف والإرهاب، في ظل الظرف الصعب الراهن الذي يشهد تصعيدًا غير مسبوق ضد الشعب الفلسطيني، وتحذر من أن إضعاف السلطة الفلسطينية سيقوض جهود السلام ويديم الصراع". وفي الختام، من الأهمية القول إن الصَّمت الدائم الذي أظهرته المُنظمات الحقوقية الأهلية الغربية تجاه حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المُحتلة، وعدم إدانتها لجرائم الإبادة الجماعية التي تُمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلية، يُؤكد أنها أدوات سياسية قائمة لخدمة الأطراف المُنشِئة والممولة لها. نعم، إن التجاهل العظيم الذي تُظهره المُنظمات الحقوقية الأهلية الغربية تجاه الانتهاكات الجسمية لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المُحتلة يُؤكد أن المصلحة هي التي تُسيّر أعمالها، وليست القيم التي تدّعيها والشعارات التي ترفعها.