خطوة رائعة أن تهتم دولتنا الرشيدة بتوجيه المراكز والجمعيات والمؤسسات التعليمية نحو إقامة أنشطة صيفية للأطفال والنشء والشباب، فهذه المبادرات تمثل ركيزة مهمة في بناء جيل المستقبل، وتمكينه من استثمار أوقاته في ما ينفعه وينمي قدراته. لكن ما صدمني في الأمر، هو أن معظم تلك الأنشطة لم تتغير منذ عرفنا برامج الأطفال إلى اليوم. فما زال الطفل يُعامل بنفس المستوى العقلي والفكري القديم، الذي كان يُقدَّم في برامج مثل "مواهب وأفكار"؛ البرنامج الذي كان مميزًا في محتواه وأسلوب طرحه ومناسبًا لطفل الأمس، أما طفل الحاضر فهو تفكير جديد وطموحات مختلفة، هو مختلف في فكره، ورؤيته، وأمنياته، ومهاراته، بل حتى في احتياج الوطن له. فالوطن في الماضي كان بحاجة إلى معلم، أو طيار، أو مهندس معماري. أما اليوم، فهو بحاجة إلى مبرمج في الذكاء الاصطناعي، أو مهندس آلي في عالم الروبوتات، أو مبتكر في الرعاية الصحية، أو محلل في التجارة الرقمية، أو خبير في الأمن السيبراني، أو ماهر في الرياضة. ولأن طفل اليوم وُلد في عالم رقمي، يتعامل مع التقنية والأجهزة الذكية في تفاصيل حياته اليومية، ويعيش وسط تدفق معلوماتي هائل، يطوّر مهاراته بسرعة، فهو يبحث عن التفاعل الحقيقي لا التكرار الممل. ولذلك، لم تعد الأنشطة التقليدية تلامس اهتمامه، أو تشعل حماسه، أو تمنحه شعور التميّز. فماذا يحتاج طفل اليوم؟ طفل اليوم أذكى، أسرع استيعابًا، وأكثر طموحًا، بحاجة إلى تربية مرنة وذكية وأنشطة تواكب تطوره وسط بيئة تجمع بين التقنية والقيم وتمنحه فرصاً لتعلم الابتكار، والإدارة، والقيادة، والتواصل، والمسؤولية فالهدف من إقامة تلك المراكز الصيفية والأنشطة خلال فترة الإجازة التي لا تقل عن 60 يوماً ليس إشغال الطفل أو محاولة صرفه عن الأجهزة فهو سيعود إليها بعد ساعتين أو ثلاث ليبقى معها بقية يومه، بل لنؤهله كي يكون إنسانًا قادرًا على مواجهة عالم سريع التغير، بثبات في القيم الإسلامية، وانتماء وطني راسخ. نحن لا يمكننا بناء جيل مُلهم طموح بأساليب الماضي. نحتاج إلى أن ننظر للطفل على أنه مشروع مستقبل مشرق، وأن نوفر له بيئة تربوية تفتح له أبواب هذا المستقبل، ولا تقف به عند حدود الأمس. خلود الجريس