لا تزال عجلة التطورات التقنية تدور بسرعة مذهلة، فكل يوم يحمل جديدًا يغير ملامح حياتنا، حتى بلغنا عصر الذكاء الاصطناعي الذي أصبح حاضرًا في أدق تفاصيل احتياجات الإنسان. ويجدر التنويه إلى أن الذكاء الاصطناعي (AI) يشير إلى الآلات والأنظمة التي طورها البشر لأداء المهام بذكاء يشبه الذكاء البشري، لتحل محل الجهد البشري في مجالات متعددة مثل: التعليم، والطب، والصناعة، بسرعة وكفاءة هائلتين. وعند الحديث عن الذكاء الاصطناعي في بيئة التعليم السعودي، فقد وضعت المملكة العربية السعودية إطارًا متكاملًا لتوظيف الذكاء الاصطناعي، يشمل تطوير المناهج الدراسية بما يتوافق مع متطلبات العصر، ودعم المعلمين بأدوات تعزز فعالية التدريس، وتمكين المتعلمين من الوصول إلى المعلومات بسهولة وجاذبية، وأكثر ذكاءً وفعالية، قادرين على البحث والتعلم ذاتيًا في أي وقت ومكان، دون أن يُلغى ذلك دور الكتاب والمعلم، اللذين يظلان عنصرين أساسيين في العملية التعليمية. وفي المقابل؛ نجد أن للذكاء الاصطناعي تأثيرًا بالغًا على القدرات البشرية؛ إذ يسهم في إضعاف بعض مهارات التفكير النقدي، وحل المشكلات، والتحليل، والإبداع. كما تبرز تحديات أخرى لاستخدام الذكاء الاصطناعي، من بينها ضعف موثوقية بعض أدواته، واحتمالات انتهاك الخصوصية، ومخاطر الإخلال بمبادئ النزاهة الأكاديمية، فضلًا عن إكساب المتعلمين ميلًا إلى التسرع وضعف الصبر في تحصيل المعلومات. وانطلاقًا من ذلك؛ يمكن اعتماد عدة استراتيجيات تربوية لتعزيز الإيجابيات التي يوفرها الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية، منها تدريب المعلمين على استخدام برامج وتطبيقات الذكاء الاصطناعي بفعالية لدعم العملية التعليمية، مع التنويع بين هذه الأدوات والتعليم التقليدي، بما يسهم في تنمية قدرات المتعلمين ومهاراتهم بشكل متوازن. كما يجب الحرص على غرس المبادئ الأساسية لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي لدى المتعلمين، لضمان استخدام مسؤول وآمن لهذه التقنيات في المجال التعليمي. وفي هذا السياق؛ يرى (2019, Stuart Russell) أن "ما حققه البشر من حضارة وعلوم هو نتيجة قدرتهم الفريدة على التواصل ونقل المعرفة بين الأجيال، ومن هنا يثير إمكانية نقل هذه المعرفة إلى الآلات الذكية اهتمامًا كبيرًا، لكنه يحمل أيضًا مخاطر محتملة، فالذكاء الاصطناعي الحديث لا يقتصر على روبوتات فردية، بل يشكل نظامًا عالميًا متصلًا يعتمد على موارد حوسبة ضخمة، كما أن زيادة سرعة الحواسيب لا تعني بالضرورة ذكاء أفضل، إذ إن الخوارزميات السيئة تنتج إجابات خاطئة أسرع، خصوصًا مع تزايد حجم البيانات، ويبقى السؤال الأهم: هل سنتمكن من السيطرة على تطور الذكاء الاصطناعي، أم أننا سنصبح تحت سيطرته؟ ختامًا؛ يبقى على عاتقنا تربية أجيال واعية، قادرة على توظيف هذه التقنيات بوعي واتزان، بعيدًا عن الإفراط أو التفريط، وبما يسهم في صقل شخصيتهم وتنميتهم الشاملة. *باحثة في المناهج وطرق التدريس