تُعد رؤية المملكة العربية السعودية 2030 مشروعاً تحولياً طموحاً يهدف إلى بناء اقتصاد متنوع ومستدام قادر على مواجهة التحديات العالمية وتعزيز جودة الحياة للمواطنين. ومن أبرز أهداف هذه الرؤية رفع مساهمة القطاع الخاص في إجمالي الناتج المحلي من 40 % إلى 65 %، وذلك باعتبار القطاع الخاص شريكاً أساسياً في عملية التنمية، وركيزةً مهمة لتعزيز التنافسية وجذب الاستثمارات وتوليد فرص العمل. إن تحقيق هذا الهدف يستلزم العمل على تعزيز بيئة الأعمال من خلال إصلاحات تشريعية وتنظيمية تضمن سهولة تأسيس الشركات، وتوفير حوافز استثمارية، وإزالة المعوقات البيروقراطية. وقد خطت المملكة خطوات ملموسة في هذا الاتجاه عبر تحسين تصنيفها في مؤشرات التنافسية العالمية، وإطلاق برامج مثل «التخصيص» و»شريك»، إضافة إلى تطوير الأنظمة المالية والتجارية لتسهيل تمويل المشاريع الخاصة. كما ساهمت مبادرات دعم ريادة الأعمال والمنشآت الصغيرة والمتوسطة في زيادة مساهمة هذه الفئة الحيوية في الاقتصاد. من وجهة نظري، فإن نجاح المملكة في جذب استثمارات القطاع الخاص يرتبط بشكل مباشر بقدرتها على ضمان الاستقرار الاقتصادي والسياسي، وهو ما حققته بجدارة خلال السنوات الماضية. فقد أثبتت التجربة أن المستثمر يبحث عن بيئة آمنة ومستقرة قبل أي اعتبارات أخرى، والسعودية استطاعت أن تقدم هذه البيئة من خلال سياسات حكيمة ومشاريع استراتيجية عملاقة. كما أعتقد أن إشراك الكفاءات الوطنية في قيادة القطاع الخاص يعد عاملاً جوهرياً في تحقيق المستهدف. فوجود شباب سعودي مؤهل ومدرب في مواقع القيادة يعزز من قدرة الشركات المحلية على التنافس والابتكار. ومن هنا، فإن برامج التدريب والتأهيل المهني التي أطلقتها الدولة تعتبر خطوة محورية لضمان أن النمو الاقتصادي لا يبقى مجرد أرقام، بل يترجم إلى تنمية بشرية حقيقية. وفي رأيي، فإن التحدي الأبرز يكمن في تنويع القطاعات الاقتصادية التي يقودها القطاع الخاص، وعدم الاعتماد المفرط على مجالات محدودة كالقطاع العقاري أو الاستهلاكي. إن التوجه نحو التكنولوجيا، والطاقة المتجددة، والصناعة المتقدمة، والسياحة، سيجعل مساهمة القطاع الخاص أكثر استدامة وقوة. لذلك، فإن تحفيز الشركات على الاستثمار في الابتكار والبحث العلمي سيضاعف من أثرها في الناتج المحلي. وقد قامت الوزارات والهيئات الحكومية بأدوار مهمة في هذا المسار، فوزارة الاستثمار عملت على تسهيل دخول المستثمرين الأجانب وتقديم التسهيلات لهم، بينما ركزت وزارة الموارد البشرية على تنظيم سوق العمل وتوفير الكفاءات الوطنية، وأسهمت وزارة المالية في تطوير القوانين التي تدعم الشراكات بين القطاعين العام والخاص. أما وزارة الاقتصاد والتخطيط فوضعت السياسات التي تضمن اتساق المبادرات مع مستهدفات الرؤية، وهو ما يجعل المسار نحو تحقيق الهدف أكثر وضوحاً وانسجاماً. في الختام، يمكن القول إن رفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي إلى 65 % ليس مجرد هدف رقمي، بل هو مشروع وطني شامل يسعى إلى خلق اقتصاد متوازن يقوم على الشراكة بين الدولة والمجتمع والقطاع الخاص. التقدم الذي تحقق حتى الآن مبشّر، لكن استمرار العمل على إزالة التحديات وتوسيع قاعدة الاستثمار والابتكار سيجعل من هذا الهدف واقعاً ملموساً. إن مستقبل الاقتصاد السعودي يعتمد بدرجة كبيرة على قوة القطاع الخاص وفاعليته، والرؤية وضعت الأسس الصحيحة لتحقيق ذلك، وما تبقى هو المثابرة والاستمرار في البناء حتى يتحقق الطموح كاملاً.