إسرائيل بقيادة نتنياهو وبعد حرب غزة تهدف إلى الابتعاد عن تعريف محدد للنظام الدولي في محيطها الجغرافي، فهي ترغب في استثمار الفضاء السياسي الدولي القائم والمرتبك من أجل تحقيق الفوضى وتسريع فكرة تحقيق الأهداف الكبرى، خاصة أنه لم يعد هناك موقع يمكن من خلاله تحديد من يمتلك التأثير الدولي بشكل صارم، كما كان الحال في زمن التوازن القطبي.. الحديث هنا عن إسرائيل وعن معادلة النظام الدولي الذي تربكه إسرائيل وتذهب به إلى منعطفات خطيرة، فبنيامين نتنياهو هو الشخصية التي أصبحت تجسد الخلل الأكبر في صياغة العدالة الدولية وتوزيعها في المنطقة، وكانت أكبر المنعطفات في النظام الدولي الصامت هو إعلان نتنياهو تأييده لفكرة إسرائيل الكبرى كمشروع توراتي مقرون بالموروث التلمودي، فماذا يعنى هذا الكلام وماذا تعني إسرائيل الكبرى؟ بكل بساطة هذه الفكرة لها نتيجة واحدة هي انهيار القيم الدولية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، مما يؤهل إلى مسار أكثر فوضوية في النظام الدولي، وقد بدأت مؤشرات هذا التحول الخطيرة في تمرير فكرة إسرائيل الكبرى عندما عرض نتنياهو في سبتمبر 2023م خارطة إسرائيل الكبرى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. نتنياهو لا يجسد سوى مسار واحد يتمثل في أن السلطة بدون عدالة هي طغيان، وهنا يأتي السؤال الأهم: كيف يمكن للقانون الدولي أن يكون أداة العدالة ويخدمها في ظل مسار سياسي إسرائيلي لا يرى أمامه سوى تنفيذ أهدافه؟ وهذا ما يمثل قمة الابتزاز الاستراتيجي والتسلط السياسي، كيف يمكن لدول العالم أن تقبل تمدد فكرة بدأت بالاستيطان وترغب أن تنتهي إلى الطغيان، ليس من اليوم بل منذ زمن بن غوريون الذي قال إن "إقامة الدولة، حتى لو كانت على جزء بسيط فقط من الأرض، هي التعزيز الأقصى لقوتنا في الوقت الحالي ودفعة قوية لمساعينا التاريخية، سنحطم الحدود التي تفرض علينا...". إسرائيل اليوم وبهذه الفلسفة السياسية التي تتنامى وتهدد حتى النظام الدولي تشكل سلطة مطلقة وممتدة لن تشكل خطرا على الشرق الأوسط فقط؛ بل ستشكل خطرا على البشرية، وكما يقال في الدراسات فإنه "عندما تكون السلطة استبدادية فإنها لا تظهر أي رحمة"، العدالة الدولية هي الحارس لحماية النظام الدولي من الطغيان الذي تمارسه إسرائيل، وإلا فالبديل المتوقع هو الفوضى والحروب. السلوك الإسرائيلي لن يقود المنطقة إلا نحو الاستبداد المؤدي إلى انتهاك جميع القوانين والقيم والمبادئ الدولية، وهنا سوف تتحول الحياة في الشرق الأوسط إلى تداخلات وتناقضات لا يمكن أن يُرى فيها الصواب من الخطأ، فالعالم في ظل هذا الطموح الإسرائيلي الخطير لا بد أن يبحث عن سيادة القانون وتحقيق العدالة، لأن إسرائيل ونتنياهو تحديداً لن تجدي معه أي نبرة عادلة في ظل غياب واضح لمعايير دولية وسلطة عادلة لتنظيم سلوك الدول، إسرائيل وبمشاركة الدول الكبرى أيضا تفرض الخلل في النظام الدولي وإلا كيف لإسرائيل أن تنشر أمام العالم فكرة توسعها على حساب دول يعرفها التاريخ منذ آلاف السنين. إسرائيل بقيادة نتنياهو وبعد حرب غزة تهدف إلى الابتعاد عن تعريف محدد للنظام الدولي في محيطها الجغرافي، فهي ترغب في استثمار الفضاء السياسي الدولي القائم والمرتبك من أجل تحقيق الفوضى وتسريع فكرة تحقيق الأهداف الكبرى، خاصة أنه لم يعد هناك موقع يمكن من خلاله تحديد من يمتلك التأثير الدولي بشكل صارم كما كان الحال في زمن التوازن القطبي، اليوم ليس هناك من هو قادر على فرض نسخته المفضلة من النظام الدولي على الشرق الأوسط سواء أميركا أو روسيا أو الصين، وكما قال كارلستروم في مجلة فورين أفيرز: "انسوا الحديث عن الأحادية القطبية أو التعددية القطبية، الشرق الأوسط غير قطبي لا أحد مسؤول". عندما بدأت الحرب في غزة تعهد نتنياهو بتغيير المنطقة لصالح إسرائيل وقال حرفيا: "ما سنفعله بأعدائنا في الأيام المقبلة سيكون له صدى معهم لأجيال"، هذا السلوك الإسرائيلي هو الأكثر فتكا بالعدالة الدولية وليس أمام القوى الدولية سوى خيارات محدودة تتمثل في ردع إسرائيل التي ترغب في الفتك بسفينة الشرق الأوسط التي هي في الحقيقة لا تحمل دولها فقط بل إن كل القوى الدولية موجودة على سفينة الشرق الأوسط التي تحاول إسرائيل اليوم بسلوكها السياسي أن تخرقها، مما يعنى تسرب الفوضى إلى داخل منطقة اتفق العالم أنها حجر الزاوية في النظام الدولي بغض النظر عمن يحكم العالم ويديره. المشروع الإسرائيلي يعمل على تسييل العدالة فيما يخص الشرق الأوسط وتحويلها نحو القوة الإسرائيلية تحت فكرة عقدية يتم مزجها بشكل دائم وتلميعها بطلاء الحق والحقوق في الحياة والعيش، حيث تدرك إسرائيل أن ذلك لن يتحقق إلا من خلال القفز على حقوق آخرين الذين هم أهل الأرض، المشروع الإسرائيلي بهذه الصيغة التي يطرحها نتنياهو هو إعلان فوضى تعتقد إسرائيل أنها الرابح الوحيد؛ ولكن الحقيقة أنها هي أول الغرقى عندما تتحول المنطقة إلى مسرح للحروب.