يبرز المتحدث الرسمي كأحد أعمدة الاتصال بين الجهة والجمهور، سواء كان في القطاع الخاص والحكومي، فهو ليس مجرد ناقل للمعلومة بل واجهة فكرية وصوت رسمي يحفظ هيبة المؤسسة ويعكس صورتها الذهنية؛ لذا جعلت الأنظمة وجود متحدث رسمي في كل جهة حكومية متطلبًا إلزاميًا، إدراكًا لأهمية توحيد الخطاب الإعلامي وضبطه، وضمان أن تصل المعلومة من مصدرها الموثوق بأسلوب واضح ومسؤول. أهمية المتحدث الرسمي لا تقتصر على المؤتمرات الصحفية أو التصريحات الدورية، بل تتعداها إلى لعب دور حيوي في أوقات الأزمات والكوارث الاتصالية، حيث يكون صمام الأمان للجهة، وواجهة الدفاع الأولى، والشخص الذي يتلقى الصدمات ويتحمل عبء الأزمات الإعلامية، ويقف بوجه المدفع عندما تشتد العواصف، محافظًا على تماسك الرسالة وصورة الجهة أمام الجمهور ووسائل الإعلام، هذا الدور يتطلب شجاعة، وحسًا عاليًا بالمسؤولية، وقدرة على التصرف السريع تحت ضغط الوقت والموقف. لكي ينجح المتحدث الرسمي، هناك مهارات لا غنى عنها، أولها: الإلمام العميق بملفات الجهة وخططها ومشاريعها، ليكون قادرًا على الرد على الأسئلة والاستفسارات بدقة وثقة، ثانيها: المهارة الإعلامية، من حيث القدرة على صياغة الرسائل بوضوح وبناء سرد إعلامي متماسك، وإجادة التعامل مع وسائل الإعلام التقليدية والرقمية، وثالثها: سرعة الاستجابة، إذ تشير الدراسات إلى أن سرعة إصدار التصريح الأولي في الأزمات تقلل بنسبة 45 % من حجم تداول الأخبار السلبية حول الجهة (وفقًا لتقرير Edelman Trust Barometer 2024). هذه المهارات لا تأتي عفويًا، بل تحتاج إلى تدريب مستمر وتطوير ذاتي، إذ أصبح المتحدث الرسمي اليوم جزءًا من استراتيجية الاتصال المؤسسي، وليس دورًا تكميليًا، فالمتحدث المحترف قادر على تحويل المعلومة إلى أداة قوة ناعمة، وتحويل البيانات إلى رسائل تحفز الثقة وتدعم أهداف المؤسسة. كما أن قدرته على قراءة المشهد الإعلامي والتنبؤ بالقضايا المحتملة تمنحه ميزة استباقية في التعامل مع الأزمات قبل تفاقمها. المتحدث الرسمي أيضًا يساهم في تعزيز الشفافية، فوجوده يضمن أن يكون هناك صوت واحد يعبّر عن المؤسسة بوضوح ويشرح سياساتها وإجراءاتها، مما يقلل من انتشار الشائعات والمعلومات المضللة، وقد أظهرت أبحاث إعلامية أن المؤسسات التي تعتمد على متحدث رسمي نشط وموثوق تحافظ على مستويات ثقة أعلى بنسبة تصل إلى 30 % مقارنة بالمؤسسات التي يغيب عنها هذا الدور. وفي ظل تسارع تدفق المعلومات عبر وسائل الإعلام التقليدية والرقمية، يصبح وجود المتحدث الرسمي ضرورة ملحة، لأنه القادر على ضبط الإيقاع الإعلامي للمؤسسة، وحماية صورتها، وضمان أن رسائلها تصل بشكل متسق ومنسجم مع أهدافها الاستراتيجية؛ فهو حارس الرسالة وصوت المؤسسة أمام جمهورها، وركيزة أساسية في إدارة سمعتها وبناء الثقة المستدامة معها.