لأن اللغة وسيلة تواصل يعبّر بها كل قوم عن أغراضهم ومقاصدهم؛ كان الاعتناء بها أمراً مهماً في تحقيق التفاهم بين المرسِل والمستقبِل، أو بين الملقي والمتلقي؛ فاللغة هي الرابط بين اثنين، أو بين مجموعة؛ لتحقيق التعامل الأمثل، ونقل الأفكار بصورة أوضح، ويتحقق ذلك التواصل بين طرفين على استخدام رموز معينة للتعبير عن المعاني المقصودة، والغايات المنشودة، وبهذا يكون النظام اللغوي جسراً متيناً يسير من خلاله الناس للوصول إلى أهدافهم وحاجاتهم، ومن هنا كان الاهتمام بهذا النظام اللغوي مظهراً جوهريًّا من مظاهر تعزيز عملية التواصل، وجعلها أكثر انسجاماً وإفهاماً، كما أن ذلك الاهتمام يعكس قيمة الوعي المعرفي والحضاري الذي تشكّل اللغة أحد مقوماته الأبرز إن لم تكن الأهم. ولأن لغتنا العربية العظيمة هي لغة القرآن، وهي لغة المعارف، ومفتاح العلوم، وهي أصلنا، وهويتنا، وهي عنوان حضارتنا، كما أنها لغة بلادنا الرسمية المملكة العربية السعودية، فإننا ندرك من هنا أهمية المحافظة عليها في ترسيخ القيم الإسلامية النبيلة، والمبادئ العربية الأصيلة، وتعزيز الوحدة الوطنية، ولا ريب أن هذه المكانة تمنح اللغة تنوعًا حضاريًّا، وعمقًا معرفيًّا، وبُعداً ثقافيًّا؛ لذلك فإننا حين نفاخر بلغتنا، أو ندافع عنها، إنما نحافظ على ثوابتنا الدينية، وهويتنا الوطنية، وأصالتنا العربية، ونحن بهذا ننشرها عالمياً، ونعرّف بها دوليًا، ونسمو بها ماضياً، وحاضراً، ومستقبلاً. وانطلاقاً من هذه المكانة والأمانة، فقد طرأت لي فكرة أودّ طرحها في هذا المقال، وما زلتُ متفائلاً في أن تتحقق على أرض الواقع قريباً إن الله؛ لأنني على ثقة بأن المهتمين بشأن لغتنا، والمحبين لها، والمدافعين عنها، والحاملين لأمانتها، سيتبنّون مثل هذه الأفكار التي تعلي من شأن اللغة، وترفع من مستوى الوعي اللغوي. هذه الفكرة هي: (إنشاء مركز لغوي) في كل قطاع حكومي، أو خاص، ويُعنى هذا المركز بتحسين الجودة اللغوية في أمور كثيرة: كالخطابات مثلاً، واللقاءات، والتقارير، الإعلانات، والشهادات، وما يتبع ذلك. ويكون هذا المركز مشابهًا في عمله الإداري لعمل الإدارات القانونية، أو الإعلامية، أو التشغيلية، أو ما شابهها. ولا بأس في نظري من جعل هذا المركز يحمل اسم: المركز اللغوي، أو الإدارة اللغوية، أو اللجنة اللغوية، أو مركز التحكم اللغوي، أو وحدة اللغة، أو الوحدة اللغوية – أو وحدة التحكم باللغة، أو مركز التحكم باللغة، أو الجودة اللغوية، أو وحدة الاستشارات اللغوية، أو المستشار اللغوي، أو الشؤون اللغوية، أو التواصل اللغوي، أو العلاقات اللغوية، أو الجهة اللغوية، أو الرؤية اللغوية، أو التحقّق اللغوي، أو التحسين اللغوي، أو التطوير اللغوي، أو نحو ذلك من الأوصاف التي تجعل اللغة حاضرة بشكل إداري، في القطاع الحكومي، والخاص، والتعليمي، وغيره. وليس همّ هذا المركز التصويب والتدقيق فحسب، وإنا كانا ركنين رئيسَين في العمل اللغوي، ولكن علينا أن نعدّ من أهم أعماله: صياغة المواد والعقود، وبناء اللوائح والبنود، والتعديل عليها، والإضافة إليها، وصياغة الخطابات، والتقارير، والإعلانات، ونحوها، بما يخدم الجهة والمستفيدين منها، وفي ذلك نشرٌ للوعي اللغوي، وتعزيز للغة القرآن الكريم، والدين القويم، والحديث الشريف، والتراث الرصين، ورفع لقيمة الانتماء الوطني، من خلال العناية بلغة البلاد الرسمية (المملكة العربية السعودية)، إضافة إلى زيادة الحس اللغوي بوصفه مكوناً ثقافياً، وهذا من شأنه أن يجعل اللغة عالمية، ولا سيما أن رقي الأمم، وتطور حضاراتها، إنما يقاس بمنجزها اللغوي، والمحافظة عليه.