تأسست المملكة العربية السعودية وفي جوفها قضية مهمة، بموقف ثابت لا يمكن التراجع عنه، وبرأي واحد يدعم وحدتها ويعترف بها دولياً وإقليمياً. الأراضي الفلسطينية العريقة، لطالما كانت قضية أولوية في سياسات المملكة العربية السعودية، وركيزة من ركائز مواقفها الدبلوماسية والإنسانية. ولا تزال القضية الفلسطينية قائمة منذ عقود طويلة في الوجدان السعودي. وفي خضم الأزمات المتراكمة التي تعصف بالمنطقة، يبرز حل الدولتين كأحد أكثر المسارات عقلانية لتحقيق السلام العادل والشامل. ومع أن الجهود الدولية تراوحت بين المد والجزر، فإن الدور السعودي ظل ثابتاً وفاعلاً، يتعزز مع مرور السنوات عبر المبادرات، والتحركات السياسية، والدعم المالي والإنساني المتواصل. المملكة داعم رئيس وثابت لقضية فلسطين لطالما كانت القضية الفلسطينية حاضرة بقوة في وجدان القيادة والشعب السعودي. ولم تكن المواقف الرسمية السعودية يومًا متذبذبة أو خاضعة للضغوط، بل نُسجت على مبادئ واضحة وراسخة، تقوم على نصرة الشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدسالشرقية. ومن المؤشرات الواضحة على ذلك: البيانات الرسمية المتكررة التي تصدرها وزارة الخارجية السعودية عقب كل تصعيد أو عدوان إسرائيلي. التحركات الدبلوماسية النشطة التي تقودها المملكة في المنظمات الدولية مثل الأممالمتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي. الدعم الإعلامي والتوعوي الذي يحظى به الشعب الفلسطيني في وسائل الإعلام السعودية، وخصوصًا خلال فترات الحرب والحصار. وإضافة إلى الجانب السياسي، يحتل البعد الإنساني مكانة متقدمة في التفاعل السعودي المحلي مع القضية الفلسطينية، ويتجلى ذلك في الحملات الشعبية والرسمية لجمع التبرعات، والفعاليات التضامنية، والمناهج الدراسية التي تعزز الوعي بالقضية. المبادرات الإنسانية بعيدًا عن الخطابات، أثبتت السعودية أنها داعمة حقيقية للفلسطينيين على الأرض، من خلال تمويل وتنفيذ العديد من المشاريع الإنسانية في القدسالمحتلة وفي مختلف المخيمات الفلسطينية، سواء داخل الأراضي الفلسطينية أو في الشتات. ومن أبرز هذه المبادرات: برنامج إعادة إعمار غزة، الذي تموله السعودية وتنفذه الصناديق التنموية لتأهيل آلاف الوحدات السكنية والبنية التحتية. التمويل المستمر للمستشفيات في القدسالشرقية، مثل مستشفى المقاصد والمطلع، بهدف ضمان استمرارية الرعاية الصحية رغم الحصار. دعم مشاريع التعليم، مثل ترميم المدارس، وتوفير الحواسيب والوسائل التعليمية الحديثة. مشاريع إسكان للفلسطينيين في الضفة الغربيةوغزة، تنفذها المملكة بالتعاون مع السلطة الفلسطينية ووكالة الأونروا. التكفل بآلاف الأيتام في الضفة والقطاع عبر مؤسسات خيرية سعودية معتمدة. تُعد هذه المبادرات جزءًا من رؤية السعودية التي ترى أن التمكين الاقتصادي والاجتماعي للفلسطينيين هو أحد أهم وسائل الصمود في وجه الاحتلال. دعم التعليم والصحة والإغاثة الاستثمار في الإنسان الفلسطيني كان ولا يزال أحد الأعمدة الأساسية للسياسة السعودية تجاه القضية، حيث خصصت المملكة مليارات الريالات لدعم القطاعات الحيوية التي تمس حياة المواطن الفلسطيني بشكل مباشر. في التعليم: ساهمت المملكة العربية السعودية في تمويل طباعة الكتب الدراسية للمدارس الفلسطينية في غزة والضفة. بناء وترميم العشرات من المدارس في مختلف المدن الفلسطينية. تقديم منح دراسية للطلاب الفلسطينيين للدراسة في الجامعات السعودية. مبادرات التعاون الأكاديمي بين الجامعات السعودية والفلسطينية، خصوصًا في مجالات الطب والهندسة. كما لها مساهمات عديدة في مجال الصحة مثل؛ تجهيز المستشفيات بأحدث المعدات الطبية. تقديم الأدوية والمستلزمات عبر حملات دورية ينفذها مركز الملك سلمان للإغاثة. استقبال الحالات الطبية الحرجة في مستشفيات المملكة. الإغاثة: خلال الحروب والأزمات، كانت المملكة من أوائل الدول التي ترسل مساعدات طارئة، تشمل مواد غذائية. خيام ومستلزمات إيواء. مياه شرب ومولدات كهرباء. كما يُعد مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، أحد أبرز الأذرع التنفيذية لهذا الدعم، حيث نفذ مئات المشاريع الإغاثية في الداخل الفلسطيني، بإشراف مباشر وتنسيق مع الجهات الرسمية الفلسطينية. ثقل سعودي لصالح تسوية عادلة في عالم السياسة المتقلب، استطاعت المملكة أن تثبت أنها لا تُقايض على مبادئها، فقد استخدمت ثقلها السياسي والاقتصادي للضغط على المجتمع الدولي مرارًا، بهدف تحقيق تسوية عادلة تقوم على حل الدولتين. من الأمثلة البارزة: رفض المملكة لأي خطة سلام تُقصي الحقوق الفلسطينية أو تُفرغ حل الدولتين من محتواه. دعم الموقف الفلسطيني في الأممالمتحدة والمطالبة بالاعتراف بدولة فلسطين كاملة العضوية. مع التأكيد على أن السلام لا يمكن أن يتحقق إلا على أساس العدالة. كما لا يمكن إغفال الدور الحيوي للمملكة في التنسيق العربي حول القضية الفلسطينية، حيث عملت على توحيد الصف، وضمان وجود موقف عربي مشترك، لا سيما في القمم الخليجية والعربية والإسلامية. مبادرة السلام العربية 2002 - رؤية سعودية رائدة في عام 2002، وفي خضم واحدة من أسوأ مراحل الصراع، فجّرت المملكة مفاجأة دبلوماسية من العيار الثقيل، عندما أطلق الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- مبادرة السلام العربية خلال قمة بيروت، والتي شكلت خارطة طريق متكاملة لتسوية الصراع العربي-الإسرائيلي. أبرز بنود المبادرة: انسحاب إسرائيل من كافة الأراضي العربية المحتلة منذ 1967، بما في ذلك القدسالشرقية. إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود 1967. حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين. تطبيع كامل للعلاقات بين الدول العربية وإسرائيل في حال تنفيذ البنود السابقة. وما تزال حتى اليوم مرجعية دبلوماسية تُستند إليها في كل النقاشات الدولية حول الحل النهائي. الدور الاقتصادي - دعم طويل الأمد منذ عقود، تُعد المملكة من أكبر المانحين لفلسطين، سواء عبر القنوات الحكومية أو المؤسسات الخيرية. هذا الدعم لم يكن ظرفيًا أو مرتبطًا بالأزمات، بل هو نهج مستمر ومنهجي. ومن أشكال الدعم الاقتصادي السعودي: دعم ميزانية السلطة الفلسطينية بشكل دوري، خاصة في حالات العجز. بناء مستشفيات ومدارس وتمويل مشاريع الإسكان والبنية التحتية. الاستثمار في قطاعات حيوية مثل الطاقة، والمياه، والتعليم العالي. وتكمن أهمية هذا الدعم في تمكين الفلسطينيين من الصمود اقتصاديًا رغم القيود المفروضة عليهم، وتعزيز قدرتهم على بناء مؤسسات الدولة المستقبلية. إن الحديث عن حل الدولتين لا يمكن فصله عن المواقف السعودية التي شكلت عبر السنوات صمام أمان للقضية الفلسطينية في وجه التصفية أو التهميش. لقد نجحت المملكة في الجمع بين التحرك السياسي الفاعل، والدعم الإنساني والاقتصادي المستدام، إلى جانب قيادة المبادرات الرامية لتحقيق السلام. اليوم، ومع تسارع الأحداث في المنطقة، تزداد أهمية الموقف السعودي المتزن الذي يُصر على أن لا أمن ولا استقرار دون حل عادل للقضية الفلسطينية. وفي هذا الإطار، يظل حل الدولتين الخيار الأوحد الممكن، الذي يحفظ الحقوق، ويصون الكرامة، ويُؤسس لمستقبل أكثر عدالة لشعوب المنطقة. الرؤية السعودية في ظل التحديات ما يُميز الموقف السعودي هو أنه لا يخضع لحالة الإحباط أو التراجع الدولي، بل يستمر في التأكيد على ضرورة التوصل إلى تسوية عادلة، ويدعو إلى تحرك دولي جاد وملتزم لإنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية. كما أن المملكة تؤمن بأن السلام لا يتحقق بالقوة العسكرية ولا بالوقائع المفروضة، بل من خلال التفاهمات السياسية الشاملة التي تضمن الحقوق وتحترم القانون الدولي. من زاوية أخرى، لعبت المملكة دورًا مهمًا في محاولات المصالحة الفلسطينية، من منطلق إيمانها بأن أي مشروع سياسي ناجح، بما فيه حل الدولتين، يحتاج إلى وحدة وطنية فلسطينية تمثل جميع الأطياف. احتضنت السعودية لقاءات ومشاورات بين حركتي فتح وحماس. سعت لتقريب وجهات النظر وتجاوز الخلافات التي تُعيق تشكيل حكومة موحدة. دعت إلى إجراء انتخابات فلسطينية شاملة، لتجديد الشرعية السياسية وتعزيز الموقف التفاوضي. هذا التوجه ينسجم مع مبدأ سعودي أصيل، وهو أن القرار الفلسطيني يجب أن يكون فلسطينيًا مستقلًا، وموحدًا، ورافضًا للتدخلات الخارجية التي تُضعف الموقف وتُكرّس الانقسام. المملكة، من موقعها السياسي والديني والاقتصادي، تحمل صوتًا عربيًا وإسلاميًا وعالميًا، يدعو إلى إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، ليس عبر الشفقة، بل عبر العدالة. حل الدولتين ليس "رفاهية تفاوضية"، بل هو السبيل الوحيد الذي يمكن أن يمنح المنطقة أمنًا حقيقيًا، ويمنح الفلسطينيين وطنًا، والإسرائيليين سلامًا، ويعيد التوازن للمنطقة. العالم يجب أن يتوقف عن إدارة الصراع، ويبدأ فعليًا في حله. والمملكة لن تتخلى عن هذا المسار، لأنها تؤمن أن الحق لا يسقط بالتقادم، وأن الدولة الفلسطينية قادمة، ما دام وراءها من يؤمن بها، ويدعمها، ويقاتل لأجلها بالحكمة، والصبر، والدبلوماسية الرشيدة.