بقدر ما كانت صدمتي جراء السرقة الكاملة لبحثي العلمي الموسوم: "تطور الفكر الديني في الجزيرة العربية قبل الإسلام: دراسة تاريخية نقدية" المنشور في المجلة العربية للعلوم الإنسانية، جامعة الكويت، عام 2013م، بقدر ما كنت صدمتي كذلك من اتضاح بعض الأمور المتعلقة بما يمكن أن أسميه "وسط السرقات العلمية"، ذلك الوسط القذر الذي قدر لي التعامل معه جراء سرقة هذا البحث. هناك العديد من الأشخاص في هذا الوسط ولكل منهم دوره الذي يضطلع به لإتمام عمليات السرقة هذه. فهناك الحرامي "الزبون" الذي يبحث عن منتج علمي وغالباً ما يكون بحثاً علمياً لسببين: القيمة الوظيفية الكبيرة للبحث في مجال الترقية الأكاديمية، وصعوبة السطو الكامل على الكتاب، وهناك صنفان من هؤلاء الزبائن: الزبون القادر على الكتابة لكنه يفتقر للفكر العلمي فنجده يقوم ببعض العمل ويسطو في نفس الوقت على بعض أفكار الآخرين وأعمالهم بطرق معينة وهناك "الزبون الفقير" الذي لا يمتلك لا الفكر ولا القدرة على الكتابة، وهذا النوع الأخير من "زبائن" البحث العلمي يحتاج إلى بحث كامل بفكرته وموضوعه. ويكون غالباً نفسه عرضه للتلاعب من قبل "سماسرة البحث العلمي"، وسمسار البحث العلمي هو الشخص الثاني في وسط السرقات العلمية. ويتدرج السمسار من شخص يحمل الثانوية العامة ويقدم أوراق العمل والبحوث الصغيرة لطلبة التعليم العام إلى شخص يحمل الدكتوراه ويتعامل مع أساتذة الجامعات، يجد السماسرة في الزبون الغبي الذي لا يملك الفكر أو القدرة على الكتابة الفريسة السهلة لاستنزافه مادياً، بل وبيعه بحثاً مسروقا حرفيا دون تكليف أنفسهم عناء تعديله أو إعادة صياغته، وكانت الدكتورة التي سطت على بحثي ومع الأسف من هذا النوع من "زبائن البحثي العلمي"، حيث سطت على بحثي فكرة وموضوعا، ومن الأمور التي اتضحت لي من خلال هذه التجربة أن بعض زبائن البحث العلمي يتوقعون أن "الغش" في البحث العلمي سواء بالسطو على أبحاث الآخرين، أو أفكارهم أو "رشوتهم" أمر مقبول. فقد تواصلت السارقة لبحثي معي عبر طرف ثالث من الأكاديميين لتعرض علي التنازل عن الشكوى مقابل أن تكتب لي بحثاً كاملاً وتنشره باسمي! ولسان حالي يردد بيت أبي حزم الأندلسي: وكيف يعطي الحب قلب قاس ومن لم يذقه كيف يفتي الناس فباحث تخرج من المدرسة البحثية البريطانية، ونشر مقالات علمية رصينة باللغتين العربية والإنجليزية في مجلات علمية ليست فقط مرموقة، بل وذات معامل التأثير العالي عالمياً ( ISI)، وتتجاوز الاستشهاد بأبحاثه في هذه المجلات 1500 استشهاد، ونشرت BAR أحد كتبه، وفاز بجوائز عالمية كجائزة اتحاد الآثاريين العرب، وجائزة الشيخ حمد الدولية للترجمة والتفاهم الدولي، ويعتبر من المحاربين للسرقات العلمية وعدم التهاون معها لا يمكن أن يقبل على نفسه مثل هذه المساومات! في المقال المقبل سنواصل الحديث عن هذه السرقة وتشعباتها.