تحدثت لكم في مقال الأسبوع الماضي عن السرقات العلمية وخطورتها في الأوساط الأكاديمية المختلفة. ولا يختلف اثنان بأن الانفجار المعلوماتي الكبير بعد ظهور برامج الذكاء الاصطناعي قد جعل من السرقات العلمية أمرا أكثر سهولة مما سبق، ومع هذا تظل المؤسسات الأكاديمية تحارب السرقات العلمية بكل ما أوتيت من قوة لأنها تضرب هذه المؤسسات في مقتل "النزاهة العلمية". وإن كان هذا النوع من السرقات العلمية المبني على خوارزميات الذكاء الاصطناعي أمرا فيه من "الذكاء الشيطاني" ما فيه، إلا أن هناك نوعا آخر من السرقات العلمية مبنية على ما يمكن أن نسميه "الغباء الشيطاني". ومن صوره إقدام أحد المنتسبين ظلما للوسط الأكاديمي بالسطو على منتج علمي منشور وتقديمه كما هو باسمه!!! وهنا ينطبق قول الشاعر: إذا لم تخفْ ربَّ البرايا ولم تستحِ مما تفعلُ فكلُّ الذي في خاطرك من أذى وشرٍّ يصِلُ وهنا تبدأ قصة بحثي العلمي الموسوم: "تطور الفكر الديني في الجزيرة العربية قبل الإسلام: دراسة تاريخية نقدية" المنشور في المجلة العربية للعلوم الإنسانية، جامعة الكويت، عام 2013م. لقد من الله عليَّ بتقديم هذا البحث الأصيل فكرة وموضوعاً للإجابة على سؤال واحد طالما كان مثار خلاف بين العلماء وهو أيهما أقدم زمنياً: التوحيد أم الشرك؟ حيث تم تشخيص واقع البحث العلمي الحالي حول هذه المسألة، وتحديد منطلقاته، واستقراء الأدلة الدينية والنقشية المعروفة لنا. وبحث كهذا ليس بالأمر الهين، فلا بد لكاتبه من معرفة النظريات التاريخية المختلفة وآليات نقدها، ووجود خلفية دينية قوية، ومعرفة ليس فقط بكتب التاريخ الحديث، بل ومختلف الآثار والنقوش. لذلك تم انتشار هذا البحث ولله الحمد والاعتماد عليه من قبل العلماء والدارسين، وإقراره ضمن المراجع العلمية المعتمدة لطلبة الدراسات العليا في بعض الأقسام. وكانت المفاجأة إقدام عضوة هيئة تدريس في إحدى الجامعات العربية بالسطو على هذا البحث وتقديمه بفكرته ومادته وأسلوبه ونتائجه وتوصياته ومصادره ومراجعه، والاختلاف الوحيد هو فقط حذف اسمي من على البحث، بل وعدم ذكره ضمن المراجع التي تم الرجوع إليها! وكأنها بهذا الحذف المتعمد لاسم صاحب البحث ستخفي معالم هذه الجريمة الأكاديمية! وقد اتضحت لي العديد من الأمور خلال مطالبتي بحقي جراء هذا الاعتداء الفكري الغاشم سواء ما يتعلق منها بالسارقة نفسها، أو تعامل بعض المؤسسات الأكاديمية مع هذه السرقات العلمية، أو واقع السرقات العلمية فيما يخص الإنتاج العلمي باللغة العربية، وهو ما سأخبركم به في المقال المقبل.