في المستقبل، يتوقع أن تتحول دورة المياه في البيت الذكي إلى عيادة، بمعنى أن الشخص عندما يقوم باستخدامها، فإنها ستعمل على تحليل فضلاته، ومعرفة كل ما يدور بداخل جسمه، وما إذا كان لديه نقص معادن أو فيتامينات، أو التهابات أو تحسس من أكلات معينة، ومن ثم يرسل تقرير متكامل بحالته الصحية إلى جواله، متضمنا توصية بمراجعة الطبيب.. المنازل الذكية انتشرت بشكل واسع في المنطقة العربية، وبالأخص في المملكة ودول الخليج، فقد وصلت أعداد الأجهزة المرتبطة بمساعد أليكسا من أمازون، إلى ستة ملايين جهاز في 2024، وبزيادة تقدر بنحو 90 % مقارنة بعام 2023، وارتفعت معه أرقام مستخدمي هذه المنازل بنسبة تجاوزت 50 %، وفي الخليج تتعامل أليكسا مع أوامر ساكني المنازل، باللهجات الخليجية المحلية، وتخاطب السعوديين بلهجاتهم النجدية والحساوية والحجازية، حتى تعطيهم الإحساس بأنها جزء من العائلة، ولعل المنزل الذكي يستجيب بدرجة أكبر لاحتياجات ذوي الإعاقة وكبار السن، ممن يسكنون لوحدهم، ويمكنهم من إنجاز ما يريدون بالصوت وبدون حركة، بالإضافة لتذكيرهم بمواعيد تناول الأدوية، أو إسعافهم في حالات الطوارئ، وبما يجعل حياتهم وحياة الآخرين مريحة، ويعتقد المختصون، بأن الراحة ترفع من جودة الحياة، ومن معدلات الأعمار، وهذا هو المطلوب. إلا أن مشكلة الأجهزة التي تستخدم في المنازل الذكية، هي اتصالها الدائم بالإنترنت، واحتمالية تعرضها لخطر الاختراق، وعدم ضمان الخصوصية لبيانات مستخدميها، فقد توصلت دراسة أجرتها شركة إميديا نيتوركس بالشراكة مع جامعة نورث ويسترن الأميركية، إلى أنها ليست آمنة تماماً، وأنه أي شركة أو هاكر محترف، يستطيع معرفة الأجهزة الموجودة في المنزل وتعطيلها، وتحديد أوقات تواجد أصحابه خارجه، وموقعه الجغرافي ومواقع سيارات ساكنيه، ما يفيد في اختيار التوقيت المثالي لارتكاب جرائم السرقة، والمعنى أن بيانات مستخدمي الأجهزة المتصلة بالإنترنت، والمعمول به في المنازل الذكية لا تخضع لسيطرتهم، وهذا الأمر غير مريح على الإطلاق، ومن الشواهد، أنه إذا رغب المستخدم في فتح باب منزله المغلق عند وصوله، يستخدم هاتفه الجوال، ويرسل أمر الفتح عن طريق الإنترنت، إلى الخدمة السحابية المسؤولة عن قفل الباب وفتحه، وبالتالي فاختراق الخدمة السابقة، سيمكن المخترق من الدخول إلى المنزل وفعل ما يريد. سوق المنازل الذكية يعتبر واحدا من أسرع الأسواق التقنية نمواً، وتسيطر عليه حاليا شركتا أمازون وغوغل، بواسطة منتجاتها الشهيرة مثل إيكو ونيست، وارتباطها بالإنترنت يمثل منفعة كبيرة، خصوصا للقائمين على ما يعرف بإنترنت السلوكيات، الذي يستخدم في التحليلات التنبئوية، وفي عمليات صنع القرارات الآلية، وذلك عن طريق مجموعة من التقنيات، أبرزها، الذكاء الاصطناعي والتعلم الذاتي وتحليلات البيانات الضخمة، ومعها الحوسبة السحابية وأجهزة إنترنت الأشياء، والتطبيقات المحمولة، والواقع المعزز والافتراضي، وأنظمة أتمتة الروبوتات، وكلها تجتمع في منصة واحدة، وتستخدم لاستهداف جماهير محددة، وتسويق مواقف وأفكار محددة، حول الأشخاص والأشياء، وغالبية البيوت في الرياض وفي الشمال السعودي في مدينة نيوم، تعتمد على الأنظمة الذكية في الإضاءة والتكييف، وفي الأجهزة المنزلية كالثلاجات والغسالات والأفران، ولعل المفيد فيها قدرتها على فهم عادات أهل المنزل، وأسلوب تعاملهم مع أجهزة التبريد والتدفئة والإضاءة وغيرها، ومن ثم إدارة هذه العملية بكفاءة، تساعد على خفض فاتورة استهلاك الطاقة بنسبة 40 %. استنادا لأرقام عام 2021، الصادرة عن مؤسسة إيه دي سي الاستشارية البحثية، فقد سجلت مبيعات سوق أجهزة المنازل الذكية، بمكوناتها وأنواعها المختلفة، قرابة 854 مليون وحدة، وارتفع الإقبال عليها بنسبة 4 % مقارنة بأرقام 2020، وزاد في الأعوام التالية بمعدل 14 %، ولدرجة أن مبيعاتها في 2024، قدرت بنحو مليار وأربعة وحدات، والإشكالية في المنزل الذكي تبدو في الإنترنت، لأن انقطاعه سيجعله غبيا تماما، وعاجزا عن القيام بأبسط المهام، وربما شكل تهديدا وجوديا على ساكنيه. في عام 1991 تم إنشاء أول منزل ذكي في ألمانيا، واليوم وبحسب أرقام 2025، هناك نحو ثلاث مئة مليون منزل ذكي حول العالم، وكلها تحتوي على مكونات مرتبطة بالإنترنت، وتتحاور مع بعضها إلكترونيا بصورة يومية، وفي المستقبل، يتوقع أن تتحول دورة المياه في البيت الذكي إلى عيادة، بمعنى أن الشخص عندما يقوم باستخدامها، فإنها ستعمل على تحليل فضلاته، ومعرفة كل ما يدور بداخل جسمه، وما إذا كان لديه نقص معادن أو فيتامينات، أو التهابات أو تحسس من أكلات معينة، ومن ثم يرسل تقرير متكامل بحالته الصحية إلى جواله، متضمنا توصية بمراجعة الطبيب، في بعض الأحيان، لتأكيد إصابته أو قابليته للإصابة بأمراض محددة، وهذه قفزة ننتظر حدوثها، لأنها ستمكن الناس من اكتشاف أمراضهم قبل تطورها والتعامل معها، وخصوصا في حالة الأمراض الخطيرة والسرطانات. البيت الذكي فيه مخاطر تقنية كالاختراق، ومخاطر تجارية كاستغلال البيانات، ومخاطر قانونية، تتعلق بانتهاك خصوصية المستخدمين، وتشريعاته ما زالت قاصرة، ولا بد من إدخال وسائل حماية محكمة وموثوقة، وتحديداً في مرحلة تصميم الأجهزة المنزلية المرتبطة بالإنترنت، وبما يحول دون اختراقها، ويعطي المستخدمين سلطة وتحكم أكبر، على البيانات التي تجمعها عنهم، والمفروض أن تعمل وزارة الاتصالات السعودية على مشروع من هذه النوعية، لأن التطور القادم، سيحيل المنازل إلى مدن ذكية، والوضع سيصبح مأساويا، ما لم يعالج هذا القصور الحاصل في بداياته.