شهدت الدراما السعودية خلال السنوات الأخيرة تحولًا نوعيًا يعكس تطور المشهد الثقافي والاجتماعي للمملكة، حيث لم يعد تصوير الأدوار مقتصرًا على القوالب التقليدية، بل أصبحت الدراما مساحة لإعادة صياغة الهوية الوطنية، عبر نماذج تعبر عن تنوع المجتمع وتناقضاته وتطلعات أفراده، والتي تعكس وعيًا متزايدًا من صناع المحتوى، بأهمية تقديم أدوار معاصرة قادرة على التواصل مع جمهورها، وإعادة تشكيل العلاقة بين الشاشة والمشاهد بطريقة أكثر صدقًا وعمقًا. قبل سنوات، كانت الأدوار تميل إلى تصوير الحياة في بيئات مختلفة داخل المملكة، وبأساليب مختلفة تعكس الحالة الاجتماعية في تلك المرحلة، نفس مايحدث اليوم.! فمع تسارع عجلة الإنتاج الدرامي المحلي، بات من اللافت حجم التغيير الذي طرأ على الساحة، وطبيعة الأدوار وأسلوب عرضها، والتي تحولنا من نماذج نمطية إلى نماذج وواقع متعددة الأوجه والمسارات والألوان، في تنوعنا الجغرافي والثقافي والاجتماعي. هذا التطور والانفتاح على الإنتاج، كان أكثر نضجًا على المستوى الدرامي، وتفهمًا لتحولات المجتمع، كلنا نتذكر ما أحدثه في ذاكرتنا مسلسل "طاش ما طاش"، والذي يعد مثالًا بارزًا على هذا التحول، حيث عرض عبر سنوات طويلة قضايا اجتماعية مختلفة، برز فيها تنوع الأدوار التي تمثل المجتمع السعودي وأطيافه، من خلال تناول القضايا اليومية بأسلوب كوميدي ساخر، وأحيانًا جاد، ساهم في تعديل وتغير بعض من القرارات والموروثات، إضافة إلى أنه كان حالة تقدمية مستشرقاً في بعض القضايا والانفتاح المجتمعي، وإضافة إلى مسلسل"كلنا عيال قرية" والذي لامس الواقع بشكل واضح.. هي نفس الخطوات في الأعمال الحديثة، التي تجسد صراعات الجيل الجديد مع متغيرات الحياة المعاصرة، وتعبر عن التحولات التي يعيشها الفرد في مجتمع يتسارع نحو التطور. كنا في عقود ماضية، نستعين بالمرأة الممثلة خليجياً، حتى نستطيع أن ننتج أعمالنا المحلية، نادراً أن تجد ممثلة سعودية في فترة ماضية، لكن في ظل هذا الانفتاح الثقافي، الذي ساهم في وصول المرأة السعودية لتبرز إمكانياتها وموهبتها، لتظهر بشكل لافت على مستوى الدراما وتعبر هي الأخرى عن واقع جديد من التحديات والآمال، كذلك الأعمال الكوميدية ساهمت في تسليط الضوء على التحولات الاجتماعية التي يمر بها المجتمع السعودي، هذه التحولات لم تأتِ من فراغ، بل نتيجة نضوج فني بدأ يتكون خلال السنوات القليلة الماضية، بدعم وطني، ومبادرات تدريبية، وفرص إنتاجية أوسع، حيث لم يعد المخرج أو الكاتب مضطرًا إلى اختزال المجتمع في شخصية واحدة، ولا المنتج ملزمًا بإرضاء نمط جماهيري واحد، أصبح من الممكن أن يرى المشاهد نفسه أو جزءًا من محيطه، في الشخصيات المعروضة، بكل تناقضاتها وتعقيداتها، وأصبحت الدراما اليوم نقطة نضج لافتة، تجاوزت فيها حدود التجريب إلى مرحلة الإنتاج المتقن والتعبير العميق، فكل عمل جديد يكشف وجهاً مختلفاً من وجوه المجتمع، ويروى حكايات تحمل نبض الواقع وتفاصيل الإنسان كما هو، بتنوعه ووعيه وتحولاته، كما أنها ليست مجرد طفرة إنتاجية، بل مسار ثقافي متصاعد يعكس حضورًا فنيًا أصبح ينافس بثقة، ويضع بصمته في مشهد درامي عربي واسع، وينتظر أن يكون له تأثير أكبر في السنوات المقبلة. «طاش ما طاش» كان ثورة القضايا المجتمعية في حينها