كيف لثكلى تحول حياتها وتستمر بالعطاء وبيديها تزرع الأمل بحياة جديدة تتخلق في بطون الأمهات؟ هكذا جسدت هند الفهاد الأمل وتحويل الألم لمعنى جديد في الحياة من خلال فيلمها المرخ الأخير الذي كان ضمن مجموعة فيلمية باسم بلوغ والذي جمع خمس مخرجات سعوديات، كانت أفضلهن هند الفهاد، وقد تم عرض المجموعة خلال مهرجان القاهرة السينمائي سابقا، ومؤخرا تم عرضه ضمن فعاليات نادي سينيراما بمركز سرد الثقافي. وسبب تفضيلي لفيلم هند بالمقام الأول -على الكثير من الأفلام الطويلة والقصيرة- الحوار أو ما يسمى بالمونولوج؛ ذلك أن المشاهد يعاني من عبثية الحوارات وسطحيتها في بعض الأفلام العربية والسعودية والعالمية على حد سواء على عكس بعض الأفلام التي ترتقي بذائقة المشاهد فتكون الحوارات المدروسة التي ترصد عمق الحياة والشخصية والمشهد، وقد استطاعت الكاتبة منال العويبيل في هذا الفيلم الارتقاء بالحوارات فكان لكل كلمة غاية وتمكنت هند المخرجة من شد المُشاهد منذ المَشاهد الأولى وبنت علاقة بينه وبين الشخصيات: دليل ولطيفة ومها. وعلى مستوى التمثيل؛ فالبطلات سناء بكر يونس وإلهام علي ورواية أحمد غنيات عن التعريف لكنهن أبدعن في تجسيد شخصياتهن، وأجزم أن الممثل مبدع ما لم يكن المخرج متمكنًا وهذا مانراه في فيلم المرخ؛ فرغم قصر الفيلم إلا أننا تعاطفنا وشعرنا بكل قصصهن واختلاف شخصياتهن، فمثلًا سناء بكر يونس جسدت دور امرأة مؤمنة كبيرة في العمر اعتادت استخدام يديها للتطبيب متكابرة على الوهن والألم. وإلهام علي المتعلمة والجارة الطيبة الحنونة أما راوية أحمد فخلطة جميلة من الشخصيات. وكما نعلم فإن السينما وصناعتها غالبا تقدم للتسلية ولكنها كذلك تقدم تسجيلا للتحولات الإنسانية وتفكيكا للعواطف ومحاولة للفهم، هذا التفكيك الذي ينسجه كل مشاهد بطريقته وبذهنه ويظل عالقا معه حسب قوة الفيلم وتأثيره، وهند الفهاد لديها السلطة القوية لتفكيك مشاعر الأنثى والأمومة بشكل خاص، وعني كأنثى مشاهدة لامستني نسخة في كل الشخصيات الثلاث: المرأة المعطاءة المؤمنة التي حولت فقدها لقوة تمنحه للعالم والمرأة المتعلمة الراغبة جدا بطفل يشعرها بأمومتها وأنوثتها الباحثة بكل أمل في كل اتجاه حتى وإن عاكس طبيعتها الممنطقة لكل شيء والجارة الطيبة العطوفة المتفهمة. هذا الشعور وهذا الارتباط الذي زرعته هند مع المشاهد جعل للفيلم معنى ووهجا. وتمنيت لو أن هند تخرج أفلام أطول نتابعها بالسينما لتعكس شعور السعوديات بمختلف طبقاتهن وأدوارهن ومهنهن التي ما زال لدينا الكثير منها لنحكيه للعالم كله. لقد استطاعت هند استخدام الرمزية المحببة التي تتناسب مع تشويقة مناسبة إلا أن هناك مشهدا اعتبره خطأ مربكا للمشاهد ووجدت أنها وقعت بذات الخطأ في فيلمها الآخر بسطة أحد هذه المشاهد كانت لطيفة ودليل في المطبخ وتوالت الأحداث لكن عاد الجميع لنفس المكان لكن بزمن مختلف حتى وإن غيرت الممثلات اللباس إلا أنه أشعر المتلقي بالارتباك وكأن لا زمن تحرك ولا تتابعت الأحداث بيوم جديد وموعد جديد مختلف؛ فهل كانت رغبة هند أن تقدم هذه الربكة لتربطنا بذاكرة دليل المتساقطة؟ لا أعتقد لأن ذات الربكة وجدتها في أحد مشاهد فيلم بسطة. وأخيرا، لا أريد أن أحرق أحداث الفيلم ولعل المشاهد ينعم بمشاهدة هذا الفيلم القصير ويتأمل كيف كان للتصوير ألق وظلال ناعمة وتجسيدا لحقيقة المكان والوجوه، ويتساءل مثلي هل كان إطرائي زائدا عن الحد أم أنني أنصفت هند الفهاد ووجدت فيها شيئا مختلفا وسيكون جيدا مستقبلا إن هي أكملت مسيرتها ووثقت بقدرتها لتقديم أفلام طويلة تباهي بها السينما السعودية؟.. هند لديها إجابة عن هذا السؤال. المخرجة هند الفهاد