أثناء توجه المستكشف والدبلوماسي البريطاني جيرالد دي غوري للمشاركة في لقاء الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه- سنة 1935م خيموا في سهل الصمان وسط غابة من الشجيرات التي اقتلعوها لإشعال النار انجذبوا اليها بفعل البرد ساعة إشعالها وما إن نُصبت الخيام وأنسوا تحت معاطفهم المصنوعة من جلد الماعز هبت عاصفة مفاجئة بقوة شديدة بدأت بعدها قطرات ثقيلة من المطر بالهطول وبدأ الرجال الذين أنذروا بالغريزة بدق أوتاد الخيام بشكل أكثر ثباتاً ويضعون المزيد من الأغصان المقطوعة خلف الخيام على الأروقة المواجهة للرياح لصد قطرات المطر والبرد ومع اشتداد الرياح بشكل أقوى همدت أصوات الرجال أمام صخب عويلها ما سبب انتفاخ قماش الخيام وتوتر تحت قوتها المتزايدة. الفوانيس ذابت فتائلها وانطفأت فجأة. صبيهم الطباخ وهو فتى بسن العشر سنوات أيقظته العاصفة فجاء منسلاً إلى باب الخيمة وبرك هناك وهو يرتجف لكنه كان يجاهد مخاوفه متظاهراً بالشجاعة أمروه بأن يدخل أكثر إلى الداخل قال هامساً عندما استقر داخل الخيمة عند أقدامهم (الله أرحم). كان من المستحيل أن تصمد الخيمة أمام قوة الرياح أطول من ذلك كما يقول غوري عندما وفجأة ارتفعت ثم همدت العاصفة. كان ثمة لحظة توقف، ثم أمطرت السماء مطراً مستقيماً شديداً ذا استمرارية ثقيلة الوطأة. ولكن انقشاعاً أعقب ما حدث من قبل عندما توقفت العاصفة أخيراً أخرج الرجال بعض الأغصان المقطوعة من حيث كانوا قد حفظوها جافة وأشعلوا ناراً. كان الوقت يقترب من الصباح الجديد. فاقتربوا من النار بعد برهة من إشعالها للتدفئة وهم يطأون من فوق الرجال الذين جلسوا نصف نائمين بمنحى عن الريح اللاهبة أو كانوا يضطجعون متلفعين بجلود الغنم فوق رؤوسهم. عند الفجر جاء مرة أخرى مطر تسوقه ريح باردة من الشمال الغربي انتحى الرجال جانباً وهم بلهاء بفعل النوم والبرد في الصحراء ولدى عودتهم اجتمعوا قرب القهوة المخمرة كانوا باردين أكثر من أن يستطيعوا التريث. انطلقوا فوراً عبر الصحراء المثقلة بالماء التي كانت تسطع عليها الشمس الشتوية الباهتة. بدت الطبيعة وكأن كل شيء تغير بين لحظة وأخرى، مخلوقات صحراوية لم يكونوا قد رأوها من قبل كانت تجري أمامهم في الصحراء مدفوعة من أوكارها بفعل المطر ثعالب سحالي وفئران صحراوية صغيرة. كان رجال القافلة عندما دفأتهم الشمس وشجعهم التفكير في الوصول إلى نهاية الرحلة. بدأوا يغنون أغاني الحرب وأغاني الحب بالصيحة (اللحن) المرتفعة الطويلة والتي هي طريقة البدوي في الغناء. كان ثمة أغنية حول قافلة فتاة عبر الجزيرة العربية – في مرفأ ما حيث كانت قد أركبت على متن باخرة قبل أن يصلها العاشق المطارد. لا أريد أن أركب في البابور كانت تنوح العاشقة المتأخرة: أريد أن أركب جملاً مريحاً. أغاني الصحراء من الصعب ترجمتها ليس فقط بسبب صعوبة اللغة بل أيضاً بسبب تنوع تشبيهاتهم، كانت ثمة أغنية تبدأ بتشبيه قمم التلال لسلسلة معروفة تسبح في سراب الظهيرة وكأنها كتل الخبز في المرق. ومقطع آخر أعطي لمترجم تربى في المدينة يقارن بياض فتاة ب(مدخل بيت الأرنب). يمكن وصف بياض الفتاة بشكل جدي بأنها تنافس اللوكس وهو مصباح فخاري يعمل بالكيروسين ذو ضوء شديد السطوع، ويوصف الشاب الأنيق بأنه متقد مثل سيارة فورد ذات ثماني أسطوانات (سيلندرات) وهنا نرك أن التعلق بجمال الآلات والوسائل الحديثة قد وجدت لها معتنقين كثيرين في الجزيرة العربية. الصمان جيرالد دي غاوري بالزي النجدي