إن التمكين لا يكتمل إلا بريادة الأعمال، فقد مكّن "برنامج تنمية القدرات البشرية" في 2024، نحو 40 شركة ناشئة بالتعاون مع جامعات مثل: ستانفورد وبيركلي، ودعم أكثر من 120 شركة ناشئة جامعية، وطور مهارات ريادية لأكثر من 11 ألف طالب وطالبة، في بيئة تمضي بثقة نحو توليد الفرص لا البحث عنها.. في عالمٍ تتسارع فيه المتغيرات، وتحتدم فيه المنافسة على مقدّرات المستقبل، لا يمكن لأمة أن تنهض إلا ببناء الإنسان أولًا، وهذا ما أدركته المملكة حين وضعت "برنامج تنمية القدرات البشرية" كأحد أركان رؤيتها الطموحة 2030، ليكون برنامجًا شموليًا، لا يكتفي بتعليم الإنسان، بل يُعدّه للمستقبل، ويُحصّنه بالمهارات، ويربطه بهويته وقيمه الوطنية. ركز البرنامج على ثلاثة محاور استراتيجية، وهي: إعداد المواطن لسوق العمل المستقبلي، وتطوير المهارات، وتعزيز القيم والهوية الوطنية، ويُظهر التقرير أن البرنامج لم يحقق المستهدفات فحسب، بل تجاوز عددًا منها، ولامس بجلاء الأثر البعيد في جودة التعليم والتدريب، والتأهيل التقني، وفتح الآفاق أمام شباب الوطن وفتياته. ويأتي التقرير السنوي لبرنامج تنمية القدرات البشرية لعام 2024 ليقدّم شهادة صريحة على ما تحقق من منجزات على أرض الواقع، ومع بلوغ العام التاسع من عمر الرؤية، بدأت الثمار تتجلى في التحولات المجتمعية والنوعية التي يشهدها المواطن السعودي، حيث أصبحنا أمام شواهد حيّة تدل على نقلة استراتيجية تمضي بالمملكة من التعليم إلى التمكين، ومن الدعم إلى الاستثمار، ومن الاستهلاك إلى الإنتاج. ومن الشواهد البارزة، ميدان التعليم المبكر، فارتفعت نسبة التحاق الأطفال بمرحلة رياض الأطفال إلى 36,7 %، ما يعكس وعيًا جديدًا بأهمية التأسيس المبكر وبناء المهارات من سن الطفولة، ومع هذا التوسع في التأسيس، شهد التعليم الجامعي بدوره طفرة في الجودة والمواءمة مع الاقتصاد، في جامعة الملك سعود أضحت ضمن قائمة أفضل 100 جامعة عالميًا، كما أُطلقت برامج دراسية متعددة التخصصات تستهدف المستقبل، وتلبي حاجات السوق الجديد. وفي سبيل بناء هذا الإنسان القادر، لا يكفي التعليم وحده، بل يجب أن يُقاس أداؤه باستمرار، وأُنجز في هذا الإطار قياس أداء أكثر من مليون طالب وطالبة في الاختبارات الوطنية "نافس"، بينما شملت برامج التقويم الذاتي أكثر من 43 ألف مدرسة حكومية وأهلية، في واحدة من أوسع عمليات التقييم المؤسسي عربيًا. وفي قلب هذه المنظومة، يرتفع عدد الطلاب الموهوبين إلى أكثر من 84 ألف طالب، في مؤشر واضح على تحول النظام التعليمي من استهداف "المعدل العام" إلى اكتشاف وتطوير "القدرات الخاصة"، وبناء جيل يقود لا يُقاد. ما يميز البرنامج بحق، هو انتقاله من التعليم النظري إلى التمكين المهني، إذ وفّر برنامج "وعد" وحده أكثر من 1,3 مليون فرصة تدريبية، وأُطلقت منصة "Micro X" لتقديم برامج جامعية قصيرة ومكثفة تشمل 11 قطاعًا حيويًا بالشراكة مع مؤسسات عالمية، ويُضاف إلى ذلك مبادرة "مهارات المستقبل"، التي درّبت أكثر من 20 ألف مدرب ومدربة في مجالات الاقتصاد الرقمي، ما يؤكد أن الرهان الحقيقي هو على المهارات، وليس الشهادات فقط. ولأن التمكين لا يكتمل إلا بريادة الأعمال، فقد مكّن "برنامج تنمية القدرات البشرية" في 2024، نحو 40 شركة ناشئة بالتعاون مع جامعات مثل: ستانفورد وبيركلي، ودعم أكثر من 120 شركة ناشئة جامعية، وطور مهارات ريادية لأكثر من 11 ألف طالب وطالبة، في بيئة تمضي بثقة نحو توليد الفرص لا البحث عنها. كل ما ذُكر ليس إلا ترجمة واقعية لعمق الرؤية التي يحملها البرنامج، فهو لا يعمل في معزل عن بقية برامج رؤية السعودية 2030، بل يتقاطع مع الاقتصاد، والسياحة، والطاقة، والاستدامة؛ كون الإنسان هو البنية التحتية لكل هذه المشاريع، وهو وقود المستقبل الذي تعتمد عليه المملكة في بناء نموذجها الجديد. إن ما تحقق في عام 2024 من قفزات نوعية يعكس نضج المرحلة الثانية من الرؤية، التي وُصفت بأنها مرحلة "تسريع الإنجاز"، مُمهدة الطريق للمرحلة الثالثة التي ستبدأ بمشيئة الله في 2026، وهي مرحلة تعظيم الاستفادة من رأس المال البشري وتحقيق الأثر العابر للزمن، وفي كل ذلك، كان البرنامج، حجر الأساس لمستقبل يُبنى على العلم والمهارة والقيم. قدم تقرير 2024 لبرنامج تنمية القدرات البشرية، دليلًا جديدًا على أن المملكة لا تسير خلف الأحلام المُجردة من أدوات القياس، بل تُحولها إلى أرقام وواقع، فالطموح الذي حملته رافعة رؤية 2030، تؤكد أننا بتنا نملك تجربة تنموية تُدرّس، ونموذجًا يُحتذى، وإذا كانت الأمم تُقاس بقدرتها على بناء إنسانها، فإن المملكة اليوم تؤكد أن مستقبلها في أيدٍ متمكنة، وقلوب مؤمنة، وعقول مستعدة لصناعة الفرق.. دمتم بخير.