في قلب رؤية المملكة 2030 الطموحة، يتجلى التزام راسخ بتحويل اقتصادها من الاعتماد على الموارد الهيدروكربونية إلى قوة صناعية وتنموية مستدامة، هذا التحول الجذري لا يمثل مجرد تنويع اقتصادي، بل هو استثمار عميق في مستقبل يمزج بين قوة التصنيع المحلي المتقدم، والاهتمام الجاد بصحة البيئة ومستقبل كوكبنا الأخضر. إن توجه المملكة نحو الصناعات ذات القيمة المضافة العالية، مدفوعًا برغبة عارمة في إعداد وتمكين الكوادر الوطنية الشابة لتكون قاطرة هذا التغيير، يفتح آفاقًا استثمارية غير مسبوقة أمام رؤوس الأموال المحلية والأجنبية، ومن رحم هذه الرؤية المتكاملة، يولد مشروع «سير» كرمز حي لهذا الطموح، مجسدًا التزام المملكة ببناء مستقبل مزدهر، تقنيًا، بيئيًا، وبشريًا. وفي خطوة استراتيجية غير مسبوقة تؤكد التزام المملكة بتنويع اقتصادها وتعزيز استدامته ضمن رؤية 2030 الطموحة، تستعد شركة «سير» السعودية، المدعومة بالكامل من صندوق الاستثمارات العامة، للكشف عن أول طرازين من سياراتها الكهربائية بحلول الربع الأخير من عام 2025. هذه الانطلاقة تمثل نقطة تحول في مسيرة المملكة الصناعية، مؤذنة ببدء عصر جديد لصناعة السيارات الكهربائية في المنطقة. «سير»، التي أُطلقت أواخر عام 2022 كأول علامة تجارية سعودية للسيارات الكهربائية، تستهدف ترسيخ منظومة صناعة مركبات متكاملة محليًا، والمساهمة بفاعلية في قيادة تحول القطاع، مع خلق آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، والمساهمة بمليارات الدولارات في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي. استثمارات ضخمة وشراكات عالمية تستثمر شركة «سير» ما يتجاوز 1.7 مليار دولار (6.6 مليارات ريال سعودي) في التمويل الاستثماري، منها 1.3 مليار دولار خصصت لمجمع «سير للتصنيع» (CMC)، وهو المنشأة الصناعية التي سيشهد بداية الإنتاج بحلول عام 2026. هذا المجمع يأتي جزءًا من «مجمّع الملك سلمان لصناعة السيارات»، الذي أطلقه الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -يحفظه الله-. هذا المجمع يُعد ركيزة أساسية لتأسيس بيئة صناعية متكاملة ومستدامة، قادرة على جذب المزيد من الاستثمارات والشراكات العالمية، وتسريع تحول المملكة إلى مركز محوري لصناعة المركبات المستدامة. تعتمد «سير» في بناء سياراتها على شراكة استراتيجية مع شركة «فوكسكون» (Foxconn) التايوانية، عملاق تصنيع الإلكترونيات العالمي. هذه الشراكة الحيوية تضمن توفير الخبرات التقنية والبنية التحتية الكهربائية اللازمة لتطوير وتصنيع السيارات. كما تستفيد «سير» من مكونات «بي إم دبليو» في بعض تقنياتها، مما يضمن جودة عالية وأداءً موثوقًا، ويضعها في مصاف العلامات التجارية العالمية منذ البداية. المنتجات المنتظرة: ستشمل الطرازات الأولى التي سيتم الكشف عنها نهاية 2025 سيارة «سيدان» وأخرى «دفع رباعي من الفئة E». وتطمح الشركة لتصميم وهندسة وتصنيع وبيع مجموعة واسعة من سيارات السيدان والدفع الرباعي ضمن الفئات D وC وE، لتلبية احتياجات السوقين المحلي والإقليمي، مع التركيز على التصاميم التي تلائم الذوق والمناخ في المنطقة. آفاق واسعة للاستثمار يُشكل مشروع «سير» نموذجًا حيًا لفلسفة «صُنع في السعودية»، التي تسعى المملكة لترسيخها كجزء أساسي من رؤية 2030. هذا المشروع لا يقتصر على تجميع السيارات، بل يمتد ليشمل التصميم، الهندسة، والتصنيع الكامل محليًا، مما يعزز قدرة الصناعة الوطنية ويرفع من تنافسيتها عالميًا. تتجاوز طموحات «سير» مجرد تصنيع السيارات؛ فهي تهدف إلى أن تكون محركًا اقتصاديًا واجتماعيًا للمملكة، بما في ذلك: المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي: تستهدف «سير» المساهمة ب8 مليارات دولار في الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2034. هذا يعكس الأثر المباشر للمشروع على الاقتصاد الوطني. تعزيز الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي: يُتوقع أن تسهم «سير» في زيادة نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بما يتراوح بين 24 و34.6 مليار دولار. هذا الرقم يؤكد الدور المحوري للشركة في تحقيق التنوع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط. جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية: من المتوقع أن تجذب الشركة 150 مليون دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، مما يعكس الثقة العالمية في البيئة الاستثمارية السعودية المتنامية. كما يُفتح المشروع آفاقًا واسعة أمام الاستثمار المحلي، من خلال عقود توريد وتصنيع لمكونات السيارات، مما يدعم الشركات السعودية الصغيرة والمتوسطة. خلق فرص العمل النوعية: تعد «سير» بأن توفر 30 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة داخل القطاع. هذه الوظائف ليست مجرد أرقام، بل هي فرص نوعية للكفاءات الوطنية الشابة في مجالات الهندسة، التصميم، التكنولوجيا المتقدمة، والتصنيع، مما يسهم في تطوير مهاراتهم وبناء كوادر وطنية مؤهلة لقيادة المستقبل الصناعي للمملكة. قوة الصناعة الوطنية.. وسلاسل التوريد تولي «سير» أهمية قصوى لتنمية الكفاءات الوطنية، وتتبنى الشركة «نهجًا شاملاً» يشمل جذب الخبرات العالمية لنقل المعرفة والتدريب أثناء العمل. كما تعقد شراكات استراتيجية مع مؤسسات تعليمية ومهنية رائدة، مثل الأكاديمية الوطنية لتقنية السيارات (نافا)، لإعداد وتأهيل المواهب السعودية المتخصصة في قطاع السيارات بما يتوافق مع أحدث التقنيات العالمية. وتقدم «سير» أيضًا دعمًا فعالاً للخريجين السعوديين من خلال برنامجها الرائد «واعد»، الذي يوفر تدريبًا عمليًا مكثفًا تحت إشراف خبراء عالميين في قطاع السيارات، مما يضمن رفد السوق المحلية بكفاءات وطنية مؤهلة تدعم تطور القطاع بأكمله. في سياق متصل، وقعت «سير» مؤخرًا 11 اتفاقية بقيمة 5.5 مليارات ريال (1.5 مليار دولار أميركي)، 80 % منها أُبرمت مع شركات القطاع الخاص المحلي. هذا يؤكد التزام الشركة بتوطين 45 % من إجمالي سلاسل التوريد، وهي خطوة حاسمة لتعزيز نمو قطاع السيارات وتدعيم الاقتصاد الوطني بما يتماشى مع «رؤية 2030»، وخلق بيئة صناعية متكاملة ومستدامة. هذه الاتفاقيات تعزز الشراكة بين القطاع العام والخاص وتفتح أبوابًا جديدة للمصنعين والموردين المحليين. البنية التحتية للسيارات الكهربائية تدرك المملكة أن نجاح مشروع «سير» يعتمد بشكل كبير على بناء بنية تحتية قوية وداعمة للسيارات الكهربائية. لذا، تعمل الجهات المعنية بالتوازي مع إطلاق «سير» على تطوير شبكة واسعة من محطات شحن السيارات الكهربائية في جميع أنحاء المملكة، بما في ذلك المدن الكبرى، الطرق السريعة، والمناطق الحيوية. هذا يشمل تركيب أجهزة شحن سريعة وفائقة السرعة لتلبية احتياجات المستخدمين وضمان سهولة التنقل. بالإضافة إلى ذلك، يتم التركيز على تأسيس وتطوير مراكز صيانة متخصصة للسيارات الكهربائية. هذه المراكز ستكون مجهزة بأحدث التقنيات والكوادر الفنية المدربة على التعامل مع الأنظمة المعقدة للسيارات الكهربائية، لضمان أعلى مستويات الخدمة والدعم لعملاء «سير» وغيرهم من مالكي السيارات الكهربائية. هذه الخطوات ضرورية لبناء الثقة لدى المستهلكين وتشجيعهم على التحول نحو التنقل الكهربائي. التحديات والآفاق المستقبلية رغم الطموحات الكبيرة، تواجه «سير» تحديات تتعلق بسرعة تطوير بنية تحتية واسعة لشحن السيارات الكهربائية في المملكة، وتحديات المنافسة في سوق عالمي تهيمن عليه علامات تجارية راسخة. ومع ذلك، فإن الدعم الحكومي القوي وغير المسبوق، والشراكات الاستراتيجية مع عمالقة الصناعة مثل «فوكسكون» و»بي إم دبليو»، والتركيز على الابتكار وتوطين الصناعة، يضع «سير» في موقع قوي لتحقيق أهدافها. باستعدادها للكشف عن أولى طرازاتها، لا تضع «سير» السعودية بصمتها في عالم صناعة السيارات فحسب، بل تمهد الطريق لمستقبل مستدام ومزدهر للمملكة، يؤكد مكانتها كقوة صناعية وتقنية صاعدة على الخريطة العالمية. هذا المشروع هو شهادة على قدرة المملكة على تحويل رؤيتها الطموحة إلى واقع ملموس، وتحقيق نقلة نوعية في مختلف القطاعات الاقتصادية. صناعة السيارات في المملكة ستدخل مرحلة التصنيع المحلي