أرقام منتدى دافوس الاقتصادي لعام 2023، قدرت أنه خلال 30 عامًا ستصل الفجوة ما بين مدخرات التقاعد العالمية واحتياجات الأشخاص في سن التقاعد لنحو 400 ترليون دولار، أو ما يساوي خمسة أضعاف حجم الاقتصاد العالمي، وهو أمر يصعب تصوره، وسيؤدي لأزمات على مستوى كل الفئات العمرية، وسيضر بمنحنى ال(إن) الخاص بالتوتر، ومعه منحنى ال(يو) المهتم بالسعادة.. الرجال والنساء ما بين سن 35عاماً و50 عاماً تجتاحهم مراهقة متأخرة، فكلاهما يقوم بتصرفات غير مفهومة في هذه الفترة، وقد يطلقون أو يتزوجون أو يخلعون، أو يتركون وظائفهم بدون مقدمات، أو يغيرون مساراتهم المهنية بالكامل، لأنهم لم ينجزوا فيها ما يرغبون، وبعض المختصين يدخلون ما سبق في خانة ما يعرف بأزمة منتصف العمر، التي لا توجد أدلة علمية عليها، وهناك من يعتقد أن جاذبيتها الإخبارية، جعلتها محل اهتمام الناس والإعلام، وأنها لا تتجاوز حدود الكذبة أو الخرافة، ولا تعترف بها أدلة التشخيص الأميركية والبريطانية، ولا يمكن النظر إليها باعتبارها اضطرابا، وإنما حالة اكتئاب موقتة، لا يزيد عمرها على خمسة أعوام للنساء، وعشرة للرجال، وبحسب دراسة أميركية نشرت عام 2000، فإن ما يصل إلى 20 % من الأميركيين قالوا إنهم أصيبوا بها، والبقية لم يعرفوها على الإطلاق. الثابت علمياً هو الجانب البيولوجي للأزمة، أو تراجع هرمون الذكورة عند الرجال في الثلاثينات وبنسبة 1 % سنوياً، ما يفقدهم 20 % من جودة وقوة الهرمون في سن الخمسين، وهذا يجعل الطاقة تنخفض، وإحساسهم بالإرهاق يزيد ومن أقل مجهود، وتتراجع كتلهم العضلية، وتكثر الدهون في أجسامهم، وانخفاض هرمون الأنوثة أو الاستروجين عند النساء، يأتي بنفس التدرج تقريباً، ويصاحبه ارتفاع في درجة حرارة الجسم، وتراكم للدهون في منطقة البطن بدل الفخذين والأرداف، ولأن الاستروجين مسؤول عن ترطيب الجلد وإنتاج الكولاجين وكثافة العظام، فإن انخفاضه يؤدي لظهور التجاعيد، ويجعل الجلد جافا، ويحدث هشاشة العظام. بخلاف أن الجنسين في هذه المرحلة السنية، تكون جودتهم متراجعة على مستوى العلاقات الحميمة، والتغيرات الفسيولوجية لديهم تلعب دورا أساسيا في تقلباتهم المزاجية، كالقلق والاكتئاب، وهو أمر طبيعي في هذه السن، ولكن الأعجب استنادا لدراسات منحنى السعادة العمري (يو)، أن مرحلتي الشباب والشيخوخة هما الأسعد، ومن هم في الثلاثينات والسبعينات يعتبرون الأكثر سعادة في الفئات العمرية المختلفة، بينما تصنف الخمسينات باعتبارها الأسوأ والأتعس بلا منافس، والمعنى أن الخمسينيين والفئات العمرية المجاورة لهم هم أصل المشكلة، والسابق مأخوذ من دراسة نشرت في 2020، وأجريت على 132 دولة حول العالم. الأزمة لم تكن معروفة في القرن التاسع عشر الميلادي وما بعده، لأن متوسط أعمار الناس في تلك الحقبة لم يتجاوز 52 عاما، ما يعني أن سن الأربعين يمثل بداية النهاية، فقد كانت الأوبئة والحروب تسرق أعمارهم، ومن الأمثلة، الفرنسي بليز باسكال الذي اخترع الآلة الحاسبة، والبريطاني هنري موزلي مبتكر الجدول الدوري للعناصر، فالأول مات مريضا، في القرن الخامس عشر الميلادي، ولم يصل للأربعين، والثاني قتل في الحرب العالمية الأولى عام 1914، وعمره دون الثلاثين، إلا أنه وبفعل الثورة الصناعية في ثلاثينات القرن العشرين، تغيرت المعادلة، وصارت الأعمار تزيد بمعدل عامين وثلاثة أشهر لكل عشرة أعوام، وزادت فرصة الوصول إلى الستين لقرابة 80 % من الناس، وهذا أوجد أوقات فراغ أكبر، وفاقم الأمراض النفسية، ومعها ما يعرف بأزمة منتصف العمر، وتفريعاتها كأزمتي ربع العمر والجيل (زد)، لأن كبار السن يعمرون ويحصلون على أموال التقاعد بلا عمل، والأصغر سنا لا يجدون وظائف تستوعبهم، فالميزانيات لا تسمح بالصرف الجيد على الطرفين. الأفلام السينمائية من جانبها استفادت من الصراع الداخلي الذي يعيشه الإنسان، وتحديداً في الفترة العمرية ما بين 40 و60 عاماً، أو ما يسمونه بأزمة منتصف العمر، وخرجت بأعمال فنية تستثمر فيه، من أهمها، فيلم: أنقذ النمر في 1973، لجاك ليمون، وهو يتكلم عن رجل أعمال ناجح، يعيش حالة انهيار نفسي ويفقد شغفه في الحياة، وفيلم: المرأة غير المتزوجة في 1978، والذي يعرض لحياة امرأة تحاول بناء حياتها من جديد، بعد انفصال زوجها عنها، وزواجه بأخرى أصغر سناً، والفيلم المعروف: أكل وصلاة وحب في 2010، لجوليا روبرتس، وقصته أُخذت من إصدار لاليزابيت غيلبرت، والثانية تحولت حكايتها إلى ما يشبه خطة الطريق، لمن يرغبون في السفر حول العالم، وخصوصا إذا وصلوا لمرحلة منتصف العمر. الأهم هو أرقام منتدى دافوس الاقتصادي لعام 2023، التي قدرت أنه خلال 30 عاماً ستصل الفجوة ما بين مدخرات التقاعد العالمية واحتياجات الأشخاص في سن التقاعد لنحو 400 ترليون دولار، أو ما يساوي خمسة أضعاف حجم الاقتصاد العالمي، وهو أمر يصعب تصوره، وسيؤدي إلى أزمات على مستوى كل الفئات العمرية، وسيضر بمنحنى ال(إن) الخاص بالتوتر، ومعه منحنى ال(يو) المهتم بالسعادة، والمتوقع استبدالهما بخطوط أفقية صفرية، ويجعل إشكالات الفراغ والافتقاد إلى المعنى في الحياة، مجرد ترف لا يهتم به أحد، لأن العالم سينشغل بأوضاعه الاقتصادية الكارثية، ما لم يتم استباق ذلك بحلول مبتكرة، والمطلوب أن تضبطوا ساعاتكم على الرياض في 2053، وأن تنتظروا الإبهار والتفوق.