تُبرز المملكة العربية السعودية مكانتها كلاعب رئيس في مشهد الرياضات الإلكترونية العالمي، في ظل التحولات الرقمية المتسارعة عالميًا والاهتمام المتزايد محليًا، وقد استثمرت بجدية غير مسبوقة في هذا القطاع وشكّلت بيئة حاضنة لمجتمع اللاعبين والمطورين، إلى جانب استضافتها لأبرز الفعاليات الدولية ضمن استراتيجية شاملة تهدف إلى تحويلها إلى مركز عالمي للترفيه الرقمي، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية السعودية 2030 التي تضع الابتكار الرقمي والترفيه ضمن أولوياتها. وعلى الرغم من أن الرياضات الإلكترونية بدأت في سبعينات القرن الماضي، إلا أن الاهتمام بها حينها كان محدودًا بسبب ضعف الإمكانات التقنية المتاحة آنذاك، ولكن مع تطور التقنية الحديثة نمت هذه الصناعة بشكل متسارع لتتحول إلى واحدة من أكثر الصناعات الترفيهية ازدهارًا في العالم، حيث بلغت القيمة السوقية لصناعة ألعاب الفيديو العالمية في عام 2024 نحو 455 مليار دولار، وتعد شركات مثل: مايكروسوفت وسوني وتينسنت ومجموعة سافي للألعاب Savvy Gaming Group التي أطلقها صندوق الاستثمارات العامة بغرض الإستثمار في تطوير بيئة خصبة لقطاع الألعاب وتمكين المبرمجين والمطورين السعوديين من قيادة هذا التحول. سوق الألعاب الإلكترونية ينطوي تحت مظلته عدة مجالات، الأول: هو صناعة الألعاب الإلكترونية التي تتكون من عدة قطاعات منها "قطاع الناشرين" (Publishers) الذين لديهم رؤوس الأموال الكبيرة ويملكون حقوق الألعاب، مثل شركة (EA) التي تملك لعبة (FIFA) وشركة (Activision) التي تملك لعبة (Call of Duty)، أيضًا "قطاع تنفيذ وتصميم اللعبة" (Gaming Studio) الذين يقومون ببرمجة وتصميم اللعبة، مثل شركة (Mojang) التي أطلقت لعبة (Minecraft) وهم في العادة مملوكون من قبل شركات النشر ويقومون بتنفيذ عملهم من خلال محرك اللعبة (Game Engine) التي تمنح المطورين البرامج والأدوات التي تساعدهم على إنتاج ورسم وتخطيط اللعبة، كذلك قطاع "المنصات والأجهزة" التي من خلالها يتم تشغيل اللعبة، فمثلاً منصات اللعب (Platforms) التي تكون في الغالب مخصصة لألعاب أجهزة الكمبيوتر (PC) من أشهرها منصة "ستيم" (Steam)، أما بالنسبة لأجهزة اللعب (Devices) فمن أشهرها (PlayStation, Xbox, Atari, Sega, Nintendo) وغيرها. والمجال الثاني: هو صنّاع المحتوى (Content creator) الذين يقدمون محتوى مرئي عن الألعاب من خلال البث المباشر أو المسجل عبر ممارسة اللعبة ونشرها بمنصات الفيديو مثل (Twitch, YouTube) ، ويعد اليوتيوبر السعودي الشهير "بندريتا" مثالًا على هذا النموذج المميز في صناعة المحتوى. والمجال الثالث: الرياضات الإلكترونية، التي من خلالها يتم تنظيم مسابقات الألعاب الإلكترونية مثل الدوري السعودي الالكتروني الذي ينظمه الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية، بالإضافة إلى جهده في مجال إقامة المعارض الرياضية الإلكترونية الضخمة في وطننا الغالي، كذلك دور المبادرات الكبرى مثل Gamers8 وكأس العالم للرياضات الإلكترونية EWC ومساهمتها في ترسيخ مكانة السعودية كمركز رائد لاستضافة أضخم البطولات العالمية وتقديم الجوائز الأعلى عالميًا. وفي ظل هذا الاهتمام الكبير تستضيف الرياض خلال الفترة من 7 يوليو إلى 24 أغسطس 2025 أكبر حدث في تاريخ الرياضات الإلكترونية، وهو بطولة كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025، التي تضم 25 بطولة عالمية في 24 لعبة على مدى سبعة أسابيع بمجموع جوائز يبلغ 70 مليون دولار، وبمشاركة أكثر من 2000 لاعب يمثلون 200 نادٍ من 100 دولة حول العالم. كما يمتد هذا الاهتمام إلى استضافة المملكة أيضًا دورة الألعاب الأولمبية الإلكترونية في عام 2027 باحتكار غير مسبوق في تاريخ الحركة الأولمبية يستمر حتى عام 2037. هذه البطولات والمحافل ليست مجرد منافسات رياضية بل تُعد منصات متكاملة تمزج بين الثقافة والتقنية والترفيه وتعكس التزام المملكة برؤية استراتيجية طموحة تسعى لرعاية نخبة اللاعبين والمواهب المحلية وصقل مهاراتهم عبر ربطهم بالمستثمرين والناشرين، لتصبح المملكة المركز الرقمي الأول لصناعة الألعاب الإلكترونية حول العالم.