قبل سنوات طويلة وقت عملي في اليابان، وصلني طلب من المدير العام للمنظمة بإنهاء عقد أحد الموظفين بشكل مفاجئ. استغربت كثيراً خاصة أن ذلك الموظف من خيرة المنسوبين ولم يعرف عنه إلا كل إخلاص والتزام وسيرة حسنة. طلبت اجتماعاً عاجلاً مع المدير العام لمعرفة السبب وراء ذلك القرار. تبين أن أحد الموظفين العاملين مباشرة تحت إدارة المدير العام قد تم كشف فساده وضبطه بممارسات خارجة عن النظام. وأوضحت التحريات أن ذلك الشخص الفاسد كان يجتمع بين فترة وأخرى بالموظف المميز في سنوات ماضية قبل أن ينتقل لإدارتي. طلبت من المدير العام أن يتريث ويمنحني فرصة للتثبت قبل تنفيذ قرار إنهاء التعاقد. كان المدير العام يستشيط غضباً لمرحلة وصلت بتهديدي بشكل مبطن إذا لم أنفذ القرار. كان الموقف صعباً ولكني طلبت منه منحي ساعتين فقط لأرجع له ووافق على مضض. كانت مخاطرة كبيرة ربما تكلفني منصبي وتقييم أدائي وربما مستقبلي المهني لكن خشيت أن أتسبب بظلم ذلك الموظف الذي يعمل معي. اجتمعت مع موظفي وسألته مباشرة عن علاقته بذلك الشخص الفاسد وسبب اجتماعاته معه. وبعد لحظات من الصمت أجابني بأن ذلك الشخص الفاسد حاول أكثر من مرة أن يستغل سلطاته وصلاحياته وضغط عليه لتمرير معاملات غير نظامية. ولكن في كل مرة كان موظفي يرفض ذلك تماماً. ولكن ذلك الشخص الفاسد لم يفقد الأمل وحاول المرة تلو المرة مستخدماً الترهيب والترغيب. فما كان من موظفي إلا أن طلب الانتقال من ذلك القسم إلى قسم مختلف تحت إدارتي هرباً من ذلك الشخص الفاسد. تواصلت مع عدد من الأشخاص داخل المنظمة وتبين لي صدق ما يقوله موظفي. طلبت اجتماعاً آخر مع المدير العام وشرحت الموقف بالكامل. نظر لي بعين الشك وراح يسألني من سيضمن أن موظفك الذي تحاول أن تحميه لن يخلق لنا مشاكل لاحقاً؟ ومن سيتحمل المسؤولية إذا ثبت عليه شيء؟ أجبته بأن الأنظمة والصلاحيات لديه كمدير عام قد تتيح له فصل هذا الموظف البسيط، ولكن إن كان هنالك احتمال وقوع ظلم ولو بنسبة واحد بالألف فلا ينبغي لهذا الفصل أن يتم. وبعد مناقشات طويلة وافق على عدم فصل الموظف على أن أتحمل كمديره المباشر المسؤولية كاملة. مرت السنوات ورحل المدير العام ورحلت أنا ورحل ذلك الموظف المميز إلى أماكن عمل جديدة ومختلفة. ولكني لم أندم أبداً على ذلك القرار رغم ما نتج عنه بعدها من مضايقات من المدير العام ومن حوله من المنافقين المتخصصين في الوساوس واختلاق الأكاذيب وإثارة المشاكل. ربما كان من السهل تلبية طلب المدير العام وتجنب كل هذه المشاكل. ولكن مهما كانت السلطات والمناصب فلن يستطيع الإنسان أن يهرب من تأنيب الضمير وحساب الدنيا والآخرة. وبالمقابل، وبطبيعة الحال فلا بد من التأكد والتبين، فإن ثبتت المخالفات أو التقصير فلا بد من اتخاذ الإجراءات النظامية بحق من ارتكبها مهما كانت منزلته ومكانته. ولكي أكون واقعياً، فبالنسبة لك كمدير يدافع عن حقوق مرؤوسيه ويحميهم ويقاتل لأجلهم، فلا تتوقع أن الكل سيحفظ لك الجميل. ولا تتفاجأ أن من علمتهم الرماية كل يوم، لما يشتد ساعدهم قد يرمونك دون هوادة أو تردد. ولكن إذا كنت ستفعلها مخافة الله وابتغاء مرضاته فأقدم ولا تتردد وكن على يقين تام بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً. وباختصار، ليست مهمة المدير والمسؤول أن يدافع عن الموظفين، بل هو يدافع عن الحق والمصلحة العامة للمنظمة والجهة التي استؤمن على قيادتها. ولذا ولخلق بيئة عمل صحية وداعمة للإنجازات والتميز، فإن منع الظلم وإيفاء الحقوق المادية والمعنوية للموظفين هو هدف سامٍ يجب أن يقاتل عليه كل قائد يتطلع للنجاحات في الدنيا ومرضاة الله في الآخرة..