أنا تلك البدوية التي تعشق سكنى الصحراء كجِمالها.. وإن انتعلت الكعب العالي ستبقى قدماي معفرة برملها، وبوصلتي سرابها، أنا التي تجذرت في نجد جذورُ روحي وأينعت أغصانها.. أنا الشيح والصبار والورد الطائفي والسدر، أنا الطين ورائحة التراب بعد المطر الزائر النادر، في ذاكرتي الشعرية.. أنا التي هجرت قصورا منيفة والشفيف والحرير والقطط الأليفة واستبدلتها بوفيّ بينبح الطراق دوني ونار حاتم الطائيّ يستدل بها الغريب والضّال في الصحراء على جمرة دفء وقبس نور وبيت من الشَّعر تراوده الريح عن أسرارها ورحلتها المجنونة التي لا تهدأ. أنا الريح والشيح والصحراء وليلها الفضي الذي علّقت عليه نجوما هي دليلي إلى مفازتها فإذا ما اكفهرّ الليل احترقت النجوم ونثرت رمادها لتضيء قلبي ودربي. أنا سميّة ميسون بنت بحدل.. جواز سفري موسوم بالأخضر على رقعة القلب ، مكتوب بدمي، وهويتي رقعة من أرض نجد أحمل معي بعض رملها الذي يرطبه دمع الشوق والحنين وأتعطر برائحته بعد المطر وما أجملها تستيقظ حواسي بعدها وأزهو كالجاكرندا شجرة الربيع. الشمال قصيدتي.. وبين أجا وسلمى دروب عشق وذكريات تنبض في عروقي. في شرق البلاد بحر وحبر وجسر محبة.. نخيل الأحساء والقطيف أول مناطق الخليج المأهولة بالسكان ، وأرامكو الإشعاع الثقافي وقصة الذهب الأسود، ثم الحجاز وصوت المآذن وخطا القادمين من كل مكان ومدينة الرسول طيبة الطيبة يا لمهابتها وشوق زوارها إلى مثوى النبي عليه السلام وصحابته، بقعة كرمها الله بسيرته وطيبة اهلها. وعسير وما أدراك ما هي.. تعانق الغيم وتصافح رقة أهلها وكرمهم ، ثم نجران وفرسان لؤلؤتي الجنوب جبال وسواحل وبحر لازوردي ثم عاصمة القلب وقلب نجد.. الرياض (بأبعادها.. بانسكاب الصحاري على قدميها وما تنقش الريح في وجنتيها.. وطعم الغبار على شفتيها) وكل شبر على هذه الأرض هو قصيدة ولحن حياة وذكرى وذاكرة نقشت وشمها على جسدي وروحي وشكلت خارطة وطن عذب احملها أينما ذهبت وأتغنى به. كبرت مع أحلامه ثم أنا شاهدة عليها حين صارت واقعا، عشت أمنيات النساء، وكنت أخت الرجال الذين عملت برفقتهم أو التقيت بهم في مشوار الحياة و أنا جزء من منظومة الإعلام التي شعرت انني فيها كما المنطاد الذي يعلو في السماء فأرى واقع الحياة وأعيشها. الرحلة عذبة وزادها عذوبة عملي في الاعلام الثقافي الذي فتح لي آفاقا أرحب ومنحني جناحين بمساحة الكون الذي طفت فيه أحمل رسالة هذه الديار ووصايا ولاة أمرها الذين عرفت فيهم الحكمة والثقافة وعشق التاريخ والخوف على مصالح الأمة. الوطن أم.. وعائلة وهنا وطن كريم للتوّ زف تباشير الفرح بنجاح موسم حجّ هذا العام. المنظر مهيب على شاشات التلفاز في كل العالم ، جموع غفيرة من حجاج بيت الله الحرام بيسر وسهولة وأجواء روحانية أدّوا مناسك الحج، من لحظة وصولهم المطار الجوي والميناء البحري وكل الإمكانات مسخرة لراحتهم ونجاح فريضة حجهم، باقات الفل والورد والقهوة السعودية والتمر وابتسامات وجهود المتطوعين من الشعب السعودي وأولئك العاملين في القطاعات المختلفة الذين سخروا قدراتهم مع كل الامكانات التي وفرتها الدولة محبة وزهوا بشرف خدمة ضيوف بيت الله.. فلهذه الأرض الطيبة المحبة والعرفان والانتماء. ميسون أبوبكر