تعيش السينما العالمية في السنوات الأخيرة تحوّلات غير مسبوقة، لا تمسّ فقط تقنيات العرض والإنتاج، بل تمتد لتعيد تعريف علاقة الجمهور بالفن السابع، وتطرح تساؤلات جادة حول مستقبل الصناعة بين الرقمنة المتسارعة، وصعود المنصات الرقمية، وتنامي نفوذ الذكاء الاصطناعي. في خضم هذه الموجات التقنية المتسارعة، تجد السينما نفسها أمام واقع جديد يعيد تشكيل قواعد اللعبة السينمائية، ويغيّر مركز الثقل الجغرافي والإبداعي. من صالات العرض إلى المنصات.. صعود منصات مثل Netflix، وApple TV، وAmazon Prime غيّر بشكل جوهري نمط استهلاك الأفلام عالميًا. ومع تعمّق تجربة البث المنزلي، بدأت العلاقة التقليدية بين الجمهور وصالات العرض تتراجع، خاصة بعد جائحة كورونا، التي شكّلت نقطة تحول كبرى، دفعت العديد من شركات الإنتاج إلى مراجعة نماذجها الاقتصادية وتكييف محتواها مع المنصات. الذكاء الاصطناعي.. دخل الذكاء الاصطناعي مؤخرًا مجال كتابة السيناريوهات وتصميم الإنتاجات الرقمية، الأمر الذي أثار جدلًا أخلاقيًا وفنيًا واسعًا حول مستقبل الإبداع الإنساني. فبينما يرى البعض في الذكاء الاصطناعي أداة تعزز من كفاءة العمل السينمائي، يعتبره آخرون خطرًا على جوهر الفن القائم على الحس البشري والرؤية الشخصية. عودة السينما التأملية.. وسط الضجيج الرقمي، بدأت أفلام بطيئة الإيقاع وذات طابع تأملي تجد طريقها إلى المهرجانات الكبرى وتلقى إعجاب النقاد. من آسيا وأوروبا إلى أميركا الجنوبية، تشهد السينما المستقلة موجة جديدة تُعيد الاعتبار للصورة البصرية البحتة، وتقدم سرديات ترفض التسطيح وتسعى لخلق تفاعل عاطفي وفلسفي مع المتفرج. المخرج كمؤلف.. رغم تعقيدات السوق، لا تزال أسماء مثل: كريستوفر نولان، يورغوس لانثيموس، وآريان خان يحتفظون بموقعهم كمخرجين - مؤلفين، يقدمون رؤى سينمائية متكاملة ترفض القوالب التجارية وتستعيد حضور السينما كمجال للتجريب الشخصي والطرح الفكري، ما يعكس شغفًا متجددًا بالسينما كفن قبل أن تكون صناعة. أصوات جديدة.. لم تعد هوليوود وحدها مركز العالم السينمائي. باتت أفلام من كوريا الجنوبية، والمكسيك، والهند، والمغرب، تحصد الجوائز الكبرى وتقدَّم كأمثلة على تجديد اللغة السينمائية العالمية. هذا التحوّل يفتح الباب أمام مزيد من التنوع، ويعكس تعطّش الجمهور العالمي لرؤى وقصص غير مألوفة. السينما السعودية.. يشهد العالم أيضًا صعود السينما السعودية كلاعب جديد في المشهد العالمي، حيث استطاعت بعض الأفلام تحقيق حضور ملحوظ في مهرجانات كبرى كفيلم نورة الذي عرض في مهرجان كان السينمائي الدولي، حيث اُختير الفيلم لمسابقة "نظرة ما" التي تعد واحدة من أهم مسابقات المهرجان، كما نال جائزة "تنويه خاص" إلى جانب ترشيحه لجائزة أفضل فيلم وجائزة الكاميرا الذهبية، في أهم إنجاز يحققه فيلم سعودي في مهرجان كان السينمائي، ما يعكس تطور البنية التحتية والدعم المؤسسي للقطاع، ويعزز مكانة الرواية السعودية ضمن مشهد سينمائي عالمي أكثر انفتاحًا. image.jpg