هناك مفارقة صحيّة لافتة، وواضحة وجليّة تماماً وهي؛ أن تبني نمط حياة صحيّاً والحفاظ عليه غالباً ما يتسبب في تكاليف أعلى -مالياً واجتماعياً ومن حيث الجهد المبذول- من العيش في بيئات تعزز المرض، وفي حين تمثل التدابير الصحيّة الوقائيّة عادة تكلفة فوريّة أقل، فإن العبء المالي الطويل الأجل المرتبط بعلاج الأمراض المزمنة أعظم كثيراً بالنسبة للمرضى ومقدمي الرعاية لهم. ويكمن التحدي في إمكانية الوصول على نطاق واسع إلى الخيارات غير الصحيّة، وغالباً بأسعار أقل ومقترنة باستراتيجيات تسويقيّة مشجعة، ممّا تعقّد جهود الأفراد الذين يسعون إلى تنمية عادات أكثر صحيّة، الأمر الذي يدفع العديد منهم إلى الاستمرار في أنماط حياة تتعارض مع توصيات الصحة العامة التي تدعو إلى تغييرات سلوكيّة أكثر صحة. لهذا يطرح السير «مايكل مارموت»، وهو عالم بارز في علم الأوبئة في مجال الصحة العامة، في كتابه «الفجوة الصحيّة: تحدي عالم غير متكافئ» سؤالاً بالغ الأهمية وهو: لماذا نعطي الأولوية لعلاج الأمراض دون معالجة أسبابها الجذريّة؟ ويتساءل؛ كيف يتم منطقياً علاج السكان من الأمراض ومن ثم إعادتهم إلى نفس الظروف غير الصحيّة -المسببة للأمراض- التي ولدوا ونشؤوا وعاشوا فيها؟ لذلك دعا أولاً إلى ضرورة معالجة هذه الظروف التي أطلق عليها «المحددات الاجتماعية للصحة». إنّ معالجة هذه التحديات تتطلب نهجًا شاملاً للصحة العامة يركز على الوقاية بدلاً من العلاج، فالتركيز على التوعية الصحية دون تحسين الظروف التي تمكّن الأفراد من الوصول للخيارات الصحية بسهولة يصب في نفس مجرى كلام السير مايكل مارموت. في المملكة، تتعاون هيئات حكومية مختلفة للتخفيف من الترويج للأطعمة غير الصحية مع الدعوة إلى تحسين العادات الغذائية. ومع ذلك نجد أنّ السكري والسمنة وتسوس الأسنان وغيرها من الأمراض في تصاعد مستمر، مدفوعة بتغييرات نمط الحياة وانتشار للأطعمة المصنعة وغير الصحية بأسعار مشجعة مقارنة بالخيارات الأكثر صحة. واستجابة لذلك، وضعت الحكومة عام 2017م تدابير وقائية مثل الضريبة الانتقائية، سعياً منها للحدّ من استهلاك المنتجات الضارة بالبيئة والصحة، ومع ذلك، فإنّ انتشار منافذ الوجبات السريعة التي تقدّم وجبات غير صحية بأسعار أقل من المنتجات الصحية لا يزال يشكّل عقبة كبيرة. إنّ معالجة هذه المشاكل تتطلب جهدًا جماعيًا من جميع القطاعات ذات الصلة، وسياسات تعمل على تعزيز بيئة أكثر صحة. ومن خلال الإجراءات المنسقة بين كافة القطاعات ذات العلاقة؛ يمكننا التغلب على هذا التحدي وتمكّين المجتمع من الوصول إلى الخيارات الصحية ودعمها.