يوافق الرابع عشر من يونيو من كل عام اليوم العالمي للمتبرّعين بالدم، مناسبة عالمية تتجاوز مجرد التذكير، لتصبح احتفالاً بالروح الإنسانية السخية وتجسيدًا لأسمى معاني التضامن والعطاء. في هذا اليوم، يُكرّم العالم ملايين الأشخاص الذين يمنحون هدية لا تُقدر بثمن: دمهم، هدية تنقذ الأرواح، وتدعم العمليات الطبية والجراحية المعقدة، وتؤدي دوراً أساسياً في إنقاذ حياة الأمهات والأطفال في إطار رعايتهم. إن سخاء هؤلاء المتبرعين يوثّق أواصر التلاحم في المجتمعات ويجسّد روح التضامن، وهو يوم للتعبير عن الشكر العميق لهم، ولتسليط الضوء على الحاجة الملحة والمستمرة إلى التبرع بالدم على نحو مأمون ومنتظم. 100 مليون تبرع حول العالم وحاجة مستمرة إن عملية نقل الدم هي شريان الحياة لملايين المرضى حول العالم سنويًا، فهي ضرورية لمرضى الحوادث، والسرطان، والولادات المعقدة، والأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الدم المزمنة. تُشير الإحصائيات العالمية إلى وجود نحو 12,700 مركز تبرّع بالدم في 170 دولة، أبلغت عن جمع 100 مليون تبرّع، وهي أرقام تعكس جهداً دولياً هائلاً. وقد أُنشئ أول يوم عالمي للمتبرعين بالدم عام 2005، ليكون بمثابة محطة سنوية لتجديد الالتزام بهذه القضية الإنسانية. ورغم هذا العدد الكبير من التبرعات، تبقى الحاجة إلى الدم والبلازما ماسة ومستمرة على مدار العام. الأمل يتدفق حرفياً مع كل قطرة دم تُمنح، مما يحفز المتبرعين الجدد والحاليين على حد سواء على المواظبة على التبرع، لضمان إمدادات مستقرة وكافية من الدم الآمن. هذه الإمدادات ضرورية للحفاظ على جاهزية المستشفيات ودعم الخدمات الصحية الحيوية، مما يعزز من فرص نجاة الملايين ويحسن من جودة حياتهم. السعودية.. قلب العطاء ينبض ب 58% من التبرعات الطوعية في سياق العطاء العالمي، تبرز المملكة كنموذج رائد في ثقافة التبرع بالدم، ففي دراسة أجرتها مؤسسة "أبسوس آند موري" البريطانية، حلَّ السعوديون في المركز الأول عالميًّا من بين 28 دولة، من حيث الإقبال على التبرع بالدم بنسبة 58%. هذه النسبة المرتفعة ليست مجرد رقم، بل هي شهادة على القيم الأصيلة في المجتمع السعودي، التي تجسد روح التكافل والتعاضد وحب الخير. إن هذا الإنجاز يعكس وعيًا مجتمعياً عالياً بأهمية التبرع بالدم كعمل إنساني نبيل لا غنى عنه لإنقاذ الأرواح. تأتي هذه الريادة نتيجة لجهود متواصلة تبذلها الجهات الصحية في المملكة، والتي تعمل على تنظيم حملات توعية مستمرة، وتوفير بيئات تبرع آمنة ومجهزة بأحدث التقنيات، وتسهيل الإجراءات على المتبرعين. كما تسهم المبادرات المجتمعية والحملات التطوعية بشكل كبير في تعزيز ثقافة التبرع، وترجمة روح التضامن إلى فعل ملموس. إن التزام المملكة بضمان توافر الدم الآمن والكافي يتماشى مع رؤيتها الشاملة لتعزيز جودة الحياة وتوفير رعاية صحية متكاملة لجميع أفراد المجتمع، والمساهمة الفاعلة في الجهود الصحية العالمية. مسؤولية عالمية لضمان الدم الآمن للجميع تتجاوز أهداف اليوم العالمي للمتبرعين بالدم مجرد الشكر والوعي، لتصل إلى دعوة أوسع نطاقاً لحشد الدعم من الحكومات وشركاء التنمية. تهدف الحملة إلى الاستثمار في برامج وطنية لنقل الدم واستدامتها، لضمان الإتاحة الكاملة لخدمات نقل الدم المأمون في جميع أنحاء العالم. ففي العديد من البلدان النامية، لا يزال الوصول إلى الدم الآمن يمثل تحدياً كبيراً، مما يؤثر على قدرة الأنظمة الصحية على الاستجابة لحالات الطوارئ وتقديم الرعاية اللازمة للمرضى. إن التبرع بالدم ليس مجرد فعل فردي، بل هو حجر الزاوية في بناء مجتمعات صحية ومرنة. فكل قطرة دم تمنح، وكل متبرع يسهم، وكل دعم حكومي أو تنموي يصب في هذا المسعى، يعزز من قدرة البشرية على مواجهة التحديات الصحية، ويجسد أسمى معاني الإنسانية، فاليوم العالمي للمتبرعين بالدم يذكرنا دائماً بأن الأمل يتدفق حقاً مع كل تبرع، وأن بسخائنا يمكننا أن نمنح الآخرين فرصة ثانية للحياة، ونضيء دروبهم بالأمل والصحة.