يوافق السابع من يونيو كل عام موعدًا للتوقف والتفكير في أحد أهم جوانب حياتنا اليومية: سلامة الأغذية. هذا اليوم، الذي تحتفل به الأممالمتحدة، ليس مجرد مناسبة تذكيرية، بل هو دعوة ملحة لتركيز الجهود العالمية نحو ضمان أن كل لقمة نستهلكها آمنة وصحية. فالمخاطر المرتبطة بالغذاء غير الآمن أبعد بكثير من مجرد اضطراب عابر، إنها تتراوح بين أمراض الجهاز الهضمي البسيطة وصولاً إلى تحديات صحية خطيرة مثل السرطان، لتشكل عبئًا ثقيلاً على صحة الأفراد واقتصادات الدول. أرقام صامتة تروي حكايات الوجع الحديث عن سلامة الغذاء ليس رفاهية، بل ضرورة تفرضها أرقام صادمة تكشف حجم المشكلة عالميًا. فوفقًا للتقديرات، يُصاب ما يقرب من مليون وستمائة ألف شخص بالمرض يوميًا بسبب الأغذية غير الآمنة. هذه الأرقام تتجاوز مجرد الإحصائيات لتلامس حياة كل فرد، مسببة آلامًا ومعاناة لا داعي لها. أما على الصعيد الاقتصادي، فالعبء المالي للأمراض المنقولة بالغذاء لا يقل خطورة، حيث يُقدر ب 110 مليارات دولار أمريكي سنويًا في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط. هذه التكاليف الباهظة لا تقتصر على النفقات العلاجية فحسب، بل تمتد لتشمل خسارة الإنتاجية وتأثيرها السلبي على التنمية المستدامة، مما يستدعي استراتيجيات شاملة ومبتكرة لمواجهة هذا التحدي. تزداد وطأة هذه المعاناة في الدول الفقيرة، وخاصة في قارة إفريقيا، حيث تتفاقم تحديات سلامة الغذاء بسبب محدودية الموارد، وضعف البنية التحتية، ونقص الوعي. ففي العديد من المجتمعات الإفريقية، يعتمد الناس على مصادر غذائية غير خاضعة للرقابة الكافية، وتفتقر الأسواق المحلية إلى معايير النظافة والصحة اللازمة. كما أن الظروف المناخية القاسية، والصراعات، وقلة الاستثمار في التقنيات الزراعية الحديثة، تزيد من هشاشة سلاسل الإمداد الغذائي، مما يعرض ملايين الأرواح لخطر الإصابة بالأمراض المنقولة بالغذاء، ويقوض جهود التنمية الشاملة. إن توفير غذاء آمن في هذه المناطق لا يمثل فقط مسألة صحية، بل هو ركيزة أساسية لتحقيق الاستقرار والأمن الإنساني. العلم في صميم الحل: من المختبرات إلى مائدتك في ظل هذه التحديات، تبرز منظمة الأممالمتحدة شعار "سلامة الغذاء: العلم في العمل" لليوم العالمي لسلامة الأغذية 2025، مؤكدة على الدور المحوري للعلم كحجر الزاوية في بناء منظومة غذائية آمنة. فالعلم ليس مجرد مجموعة من النظريات، بل هو الأداة الأساسية التي تمكننا من فهم الأسباب الجذرية لعدم سلامة الغذاء، بدءًا من التلوث البكتيري وصولاً إلى بقايا المبيدات. هذا الفهم العلمي الدقيق هو الذي يرشدنا إلى أفضل الممارسات للوقاية من الأمراض المنقولة بالغذاء، سواء على مستوى المزارع، أو سلاسل الإمداد، أو حتى داخل منازلنا. باستخدام المعرفة العلمية، يمكننا تطوير تقنيات جديدة للكشف عن الملوثات، ووضع معايير صارمة لجودة الغذاء، وتثقيف المستهلكين حول طرق التعامل الآمن مع الأطعمة. إن الاستثمار في البحث العلمي وتطبيق نتائجه هو المفتاح الحقيقي لخفض معدلات الأمراض، وتقليل التكاليف الصحية والاقتصادية، والأهم من ذلك، إنقاذ الأرواح. السعودية: ريادة نحو أمن غذائي مستدام ووعي متنامي على الصعيد المحلي، تولي المملكة العربية السعودية أهمية قصوى لمفهوم الأمن الغذائي وسلامته، وتعمل ضمن رؤيتها 2030 على بناء منظومة غذائية مستدامة وآمنة. تتجلى هذه الجهود في تطوير التشريعات واللوائح التي تضمن سلامة الأغذية المستوردة والمحلية، وتكثيف حملات التفتيش والرقابة على المنشآت الغذائية. كما تستثمر المملكة في التقنيات الحديثة لتحسين جودة الإنتاج الزراعي والحيواني، وتطبيق أفضل الممارسات الدولية في التخزين والتوزيع. بالإضافة إلى ذلك، تركز المملكة على رفع مستوى الوعي لدى المستهلكين بأهمية سلامة الغذاء وسبل التعامل السليم معه، وذلك لضمان بيئة غذائية صحية وآمنة للجميع. هذه الجهود المتكاملة تعكس التزام المملكة الراسخ ليس فقط بتأمين الغذاء، بل بضمان سلامته وجودته، لتكون نموذجًا رائدًا في تحقيق الأمن الغذائي المستدام. إن اليوم العالمي لسلامة الأغذية ليس فقط احتفالًا، بل هو تذكير بأن العلم هو الدرع الواقي الذي يحمي مائدتنا وصحتنا، ويدفعنا نحو مستقبل غذائي أكثر أمانًا واستدامة للجميع، محليًا وعالميًا.