لا تنمو المدن المتقدمة بالمصادفة، ولا تُبنى البيئات المستدامة بمعزل عن التشريعات والسياسات التي تمنحها النبض والاتجاه. في المملكة، حيث تشهد المدن تحولات عمرانية وتنموية متسارعة، تُعد العقارات الشاغرة واحدة من القضايا التي حسن معالجتها في الوقت المناسب، لتسهم في تحفيز التطوير العقاري وزيادة المعروض السكني. ولضبط هذا المسار، جاءت التعديلات الأخيرة على النظام لتمنح السوق أدوات أكثر فاعلية في إدارة الأصول العقارية غير المستغلة، إذ اعتُبرت العقارات الشاغرة – وهي المباني الواقعة داخل النطاق العمراني وغير المستخدمة لفترات طويلة دون مسوغ مقبول – أحد العناصر التي تحد من وفرة المعروض. ووفقًا للنظام الجديد، يُفرض على هذه العقارات رسم سنوي بنسبة من أجرة المثل لا تتجاوز 5% من قيمة العقار، مع منح مجلس الوزراء صلاحية رفع النسبة إلى 10% بناء على اقتراح اللجنة الوزارية، وذلك وفق أحكام النظام وما تحدده اللوائح التنفيذية. هذا التعديل يستكمل سلسلة من الإجراءات التي أُقرّت في الأشهر الماضية، مثل تنظيم الأراضي، وتحديث اشتراطات البناء، وإطلاق المشاريع السكنية الكبرى، وسنّ لوائح مرنة تعزز من كفاءة الاستثمار العقاري، كلها جهود تكاملت لترفع سقف المعروض، وتحد من الاحتكار، وتعيد التوازن المطلوب بين العرض والطلب في المدن السعودية. رؤية 2030، بوصفها الإطار الوطني الشامل لمسار التحول، جعلت من جودة الحياة، وتوفير السكن، وتوسيع خيارات التملك، أولويات محورية في مشروع بناء المستقبل.. ومن هذا المنطلق، حظي القطاع العقاري باهتمام متنامٍ، مدعوم بسياسات وتشريعات تنموية تهدف إلى رفع كفاءة الاستخدام، وتعظيم الأثر الاقتصادي والاجتماعي للعقارات داخل النطاقات الحضرية. ولذلك من المهم الإدراك أن الأنظمة المحفزة على الاستخدام الأمثل أصبحت ضرورة تنموية، تسهم في تحقيق التوازن المنشود في السوق، وتعزز من عدالة توزيع الفرص، وترسّخ بيئة حضرية أكثر مرونة واستدامة، فالتنظيم المتجدد وسيلة استراتيجية تواكب تطلعات المجتمع وتنهض بجودة التخطيط العمراني. ومن خلال التوسع في تطبيق الرسوم لتشمل العقارات المبنية غير المستغلة، ورفع سقف الرسم السنوي على الأراضي البيضاء، وتحديد حد أدنى موحد لمساحات الأراضي المشمولة.. كل ذلك بالتأكيد يعيد ضبط إيقاع السوق وفق منظور تنموي يُفعّل الأدوار المنتظرة من الأصول العقارية، ويعزز من ديناميكية التطوير العقاري في المدن. وانسجامًا مع هذه الجهود، جاءت موافقة مجلس الوزراء على تعديل نظام رسوم الأراضي البيضاء، كخطوة واثقة ضمن مسار إصلاحي متدرج، تقوده الدولة برؤية واضحة وتكامل مؤسسي، من خلال التنسيق مع وزارة البلديات والإسكان، لتأسيس سوق عقارية أكثر نضجًا، تعكس طموحات المرحلة وتستجيب لاحتياجاتها.